* email * facebook * twitter * google+ عرفت نسبة البطالة في السنوات الأخيرة تراجعا محسوسا، حيث استقرت في حدود 11 بالمائة مع نهاية سنة 2018 بفضل مختلف الإجراءات المتخذة في إطار آليات دعم التشغيل التي تم استحداثها، والتي مكنت من فتح مناصب شغل عديدة سواء في إطار الإدماج المهني أو في إطار تشجيع روح المقاولاتية لدى الشباب من حاملي الأفكار والمشاريع. ولا يزال تحدي الاستجابة للطلبات المتزايدة على الشغل رهانا مطروحا بإلحاح أمام السلطات العمومية، المطالبة بالرد على هذه الطلبات التي تشكل أبرز انشغالات الشباب الجزائري ومحورا أساسيا في مسعى تحسين إطاره المعيشي وتجنيبه الوقوع في مختلف الآفات الاجتماعية والظواهر السلبية على غرار الحرقة التي ازدادت حدتها في الفترة الأخيرة، ما يجعل ملف الشغل من الملفات الحساسة والمحورية التي سيسعى المرشحون للرئاسيات القادمة للتجاوب معها بما يليق بها من حلول وبرامج. الجزائر، وهي تحتفل اليوم بالذكرى ال63 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، تقف عند محطة تقييمية لا بد منها، لاستحضار كل ما حققه قطاع التشغيل والعمل من إنجازات منحت الفرصة للعديد من المواطنين للولوج إلى عالم الشغل وإقامة مؤسسات خاصة، حيث يعود الفضل في ذلك إلى السياسة المنتهجة في مجال القضاء على البطالة التي انخفضت من حدود 30 بالمائة في 2000 إلى 11 بالمائة اليوم، وقد ساهمت الإجراءات الجديدة التي تم إطلاقها منذ سنة 2011، تاريخ منح تسهيلات للشباب حاملي المشاريع للاستفادة من قروض الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب لإقامة مشاريع، في تحقيق أهداف هذه السياسية، وتأكيد نجاعتها بدليل الأرقام التي نشرتها الهيئات المتخصصة في الإحصائيات. فبخصوص تشجيع المبادرة المقاولاتية من خلال دعم إحداث مؤسسات مصغرة، تم خلال 2018 تمويل 5343 مؤسسة مصغرة ترتب عنها إحداث 13106 منصب شغل مباشر في إطار الجهازين المسيرين من طرف الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب والصندوق الوطني للتأمين عن البطالة. وقدر الأثر المالي لمجموع القروض غير المكافأة لهذه المؤسسات المصغرة ب8056 مليار دينار، منها 513 مليار دينار للوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب على عاتق ميزانية الدولة، و293 مليار دينار للصندوق الوطني للتأمين عن البطالة. علما أن نسبة التحصيل بالنسبة للوكالة بلغت 81 بالمائة، فيما تقارب 62 بالمائة بالنسبة للصندوق، حيث تم تمويل 519785 مشروع مؤسسة مصغرة منذ الشروع في تنفيذ هذين الجهازين إلى غاية سبتمبر 2018. ولتوسيع الاستفادة من هذه الإجراءات قررت الحكومة مؤخرا تمديد السن المحدد للاستفادة من جهاز الصندوق الوطني للتأمين على البطالة إلى 55 سنة عوض 50 سنة، حيث تمت الموافقة على اقتراح تعديل النصوص القانونية المسيرة لهذا الجهاز وصدور المرسوم الرئاسي الخاص به في الجريدة الرسمية. وتؤكد إحصائيات وزارة العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي أنه تم إنشاء ما لا يقل عن 1207539 منصب شغل مباشر بفضل تمويل 532451 مؤسسة مصغرة منذ إطلاق آليات الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب "أونساج" والصندوق الوطني للتأمين عن البطالة "كناك". وعرفت السنة الماضية لوحدها إنشاء 22450 منصب شغل مباشر بفضل تمويل مشاريع 9009 مؤسسات مصغرة، منها 5535 مؤسسة إطار آلية "أونساج" سمحت بخلق 13852 منصب شغل. كما ذكرت هذه الإحصائيات بأن 407038 شاب يعملون ضمن جهاز الإدماج المهني، 72 بالمائة منهم يشتغلون في القطاع الإداري الذي يخضع التوظيف فيه إلى المسابقات، مما يؤدي حسبها إلى إطالة مدة مكوث المستفيدين من عقود الإدماج على مستوى هذا القطاع التابع للوظيف العمومي. وقد تم مع بداية السنة الجارية إعطاء تعليمات لمسؤولي الوكالة الوطنية للتشغيل لإعطاء الأولوية لهؤلاء الشباب في التنصيب الكلاسيكي في إطار نشاط الوساطة الذي تقوم به. وبلغ العدد الإجمالي للشباب الذين استفادوا من هذا الجهاز منذ انطلاقه إلى غاية نهاية شهر أوت 2018، مليونين و88 ألفا و253 شاب منهم 1,7 مليون شاب تمكنوا من الاندماج في سوق الشغل بمختلف الصيغ ولم يتبق سوى 407038 شاب. وعرفت التسعة أشهر الأولى من السنة المنتهية، إدماج 37920 شاب طالب شغل مبتدئ، أكثر من 55 بالمائة منهم نساء وأكثر من 36 بالمائة منهم من الجامعيين والتقنيين السامين، و44 بالمائة منهم من خريجي التكوين المهني والطور الثانوي، علما أن 75 بالمائة من عمليات الإدماج خلال سنة 2018 تم تحقيقها في القطاع الاقتصادي، طبقا للمسعى المعتمد في إطار مخطط ترقية التشغيل ومحاربة البطالة الذي يوصي بالمعالجة الاقتصادية للبطالة. وبلغ الأثر المالي لتنفيذ هذا الجهاز منذ اعتماده في جوان 2008 إلى غاية نهاية سبتمبر 2018، حوالي 735 مليار دينار. كما تم مؤخرا اتخاذ تدابير خاصة واستثنائية لفائدة البلديات الحدودية التي تعاني من عجز كبير في فرص العمل، بسبب غياب النسيج الاقتصادي، حيث سيتم إدماج 14 ألف طالب شغل مبتدئ في مختلف المصالح الإدارية للبلديات، قصد تحسين أدائها لفائدة المواطنين وذلك قبل نهاية السنة الجارية. وفيما يخص التقاعد، وعلى عكس السنوات السابقة، حيث كانت الزيادة السنوية في منح المتقاعدين موحدة ومقدرة ب2 بالمائة، تقرر مؤخرا إعادة تقييمها وتكييفها حسب مبلغ المنحة حيث تصل هذه الزيادات إلى 5 بالمائة في المعاشات التي تقل عن 20 ألف دينار، و2,5 بالمائة للمعاشات التي تتراوح بين 20 و40 ألف دينار، و1,5 بالمائة للمعاشات بين 40 ألف و60 ألف دينار، و1 بالمائة من 60 إلى 80 ألف دينار، بينما تنخفض إلى 0.5 بالمائة للمستفيدين من منحة تقاعد تتجاوز 80 ألف دينار. وحتى إن ساهمت هذه الإنجازات والقرارات في حل جزء من مشكل البطالة بالجزائر، فإن شريحة واسعة من المواطنين، وخاصة الشباب منهم، لاسيما بالمناطق النائية لا زالوا يعانون من مشكل البطالة بسبب انعدام فرص الشغل وتركز الاستثمارات والمؤسسات المستخدمة بالشمال فقط، الأمر الذي دفع السلطات إلى إقرار تدابير تحفيزية لتشجيع الاستثمار في هذه المناطق، مع إلزام هيئات التنصيب بمنح الأولوية لسكان تلك المناطق في التوظيف. ولا زالت بعض النقائص تطرح نفسها بحدة على الجهات الوصية لبلوغ مستوى التكفل التام بعالم الشغل بصفة عامة في بلادنا، بما فيه الجانب المتعلق بتكريس حرية العمل النقابي الذي شرعت وزارة التشغيل والعمل والضمان الاجتماعي في مسعى تنظيمه وتأطيره، حرصا منها على ضمان التمثيل الحقيقي من جهة، وتقنين العمل النقابي بشكل يضمن سيادة البلاد ومؤسساتها ويحصنها من تدخلات المنظمات الأجنبية التي لا تتردد في التدخل في الشأن الداخلي للجزائر، من جهة أخرى، حيث يرتقب في هذا الإطار أن يشكل ملف الشغل إحدى الملفات الحساسة التي سيخوض فيها المترشحون للانتخابات الرئاسية المقررة في 18 أفريل القادم، لا سيما وأن هذا الملف المحوري بالنسبة للواقع المعيشي للجزائريين يخص فئة الشباب بنسبة كبيرة، وهي الفئة التي لازالت تعاني من مشاكل جمة، وتتطلع إلى تغيير واقعها نحو الأفضل، سواء بتمكينها من الخروج من غياهب البطالة وتداعياتها من آفات اجتماعية ترهن مصيرها، أو بمرافقتها بشكل فعلي وفعال في تحقيق حلمها وتجسيد مشاريعها، خاصة بالنسبة للشباب حاملي المشاريع الذين ينتظرون الفرج ويرفعون قائمة طويلة من المطالب على الرئيس المقبل للجزائر لإيجاد حل لمشكلتهم باتخاذ آليات وتدابير من شأنها توفير مناصب الشغل وتسهيل إجراءات الحصول على القروض البنكية لإقامة مشاريع ناجحة تحظى بالموافقة، بعد أن اصطدم عدد كبير من نظرائهم بالفشل والإفلاس، بسبب غياب إستراتيجية واضحة للتوجيه والمرافقة. كما يبقى سوق الشغل مطالب بمزيد من التنظيم والتأطير بآليات فعالة لمحاربة العمل الموازي الذي ينخر الاقتصاد الوطني مع تعزيز الرقابة على المؤسسات التي لا تصرح بعمالها، حيث تؤكد الأرقام أن ما يقارب 6 ملايين عامل ينشط في القطاع الخاص غير مصرح به لدى هيئة الضمان الاجتماعي، ما يشكل خطرا على توازن منظومة الضمان الاجتماعي ويزيد من العجز المالي لصندوق التقاعد الذي يتم تمويله من اشتراكات العمال.