* email * facebook * twitter * google+ حملت خريطة الطريق التي عرضها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في الخطاب الذي وجهه أول أمس، إلى الأمة، بمناسبة إعلانه عدم الترشح لعهدة رئاسية خامسة وتأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية المقررة ليوم 18 أفريل القادم، عناصر بناء مرحلة جديدة وفق نهج المرحلية التي يراها السبيل الأمثل لتجنيب البلاد «المحن والصراعات وهدر الطاقات»، موازاة مع تنفيذ إصلاحات عميقة في المجالات السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية. وطغت مسألة إرساء أسس جمهورية جديدة، التي يتوخى أن تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد، على الرسالة التي وجهها الرئيس بوتفليقة للأمة، عقب المظاهرات الشعبية الحاشدة التي عرفتها مختلف مناطق البلاد، من خلال إبراز أهمية تجديد الدولة الوطنية، التي يتطلب إعدادها استجماع الشروط اللازمة والظروف الملائمة لتبنيها من قبل كل الطبقات الاجتماعية وكل مكونات البلاد. ورسم الرئيس بوتفليقة من خلال هذه الرسالة المخرج «الآمن» لتسليم المهام والصلاحيات إلى الرئيس الجديد الذي سيختاره الشعب الجزائري بكل حرية، بما يضمن القيام بوثبة جماعية سلمية تمكن من تحقيق الأهداف المنشودة في كنف الديمقراطية. وإذ حرص على طمأنة الشباب بضمان التعاقب بين الأجيال من خلال وضع النظام الجديد وإشراكها في التنمية المستدامة، فقد برر الرئيس بوتفليقة تأجيل تنظيم الانتخابات في موعدها بغرض تهدئة التخوفات المعبر عنها، قصد فسح المجال أمام إشاعة الطمأنينة والسكينة والأمن العام. وتعهد رئيس الجمهورية بالاستجابة إلى كافة المطالب التي رفعها المتظاهرون خلال هذه المسيرات الشعبية، من خلال بعث تعبئة أكبر للسلطات العمومية وتفعيل عمل الدولة في جميع المجالات، من خلال إجراء تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة في أقرب الآجال. ولإنجاح تحضير الاستحقاق الانتخابي القادم في أجواء الشفافية والنزاهة، أكد رئيس الجمهورية على تشكيل حكومة كفاءات وطنية تتمتع بدعم مكونات الندوة الوطنية، تتولى الإشراف على مهام الإدارة العمومية ومصالح الأمن، فضلا عن تقديم العون للجنة الانتخابية الوطنية المستقلة. غير أن إرساء النظام الجزائري الجديد، لا بد أن يكون مرهونا بعقد الندوة الوطنية الجامعة المستقلة، حيث ستتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس واعتماد كل أنواع الإصلاحات، في وقت يراهن متتبعون على أن تضم الهيئة شخصيات ذات وزن في المجتمع، يفترض أن تقدم اقتراحات حكيمة، كما أن المطلوب من هذه الندوة وفق رسالة رئيس الجمهورية الفراغ من عهدتها قبل نهاية عام 2019. وفي سياق تبني النهج المرحلي لخريطة الطريق، سيتم عرض مشروع الدستور الذي تعده الندوة الوطنية وتعرضه على الاستفتاء الشعبي، في حين توكل مهمة تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي لهذه الندوة تحت إشراف لجنة انتخابية وطنية مستقلة، التي كانت محل مطلب واسع عبرت عنه مختلف التشكيلات السياسية الجزائرية، فضلا عن التوصيات التي أبدتها البعثات الملاحظة للانتخابات التابعة للمنظمات الدولية والإقليمية التي دعتها الجزائر خلال المواعيد الانتخابية الوطنية السابقة. وإن ما يستشف من رسالة رئيس الجمهورية هو سرعة الاستجابة للمطالب الشعبية، عندما فضل تسبيق مطلب الإصلاحات العميقة في شتى المجالات بإشراك جميع فئات المجتمع، حتى وإن تطلب ذلك تأجيل تنظيم الاستحقاق الرئاسي، الذي على الرغم من أنه حدد في موعد «مناسب تقنيا من حيث هو معلم من معالم حكامة الحياة المؤسساتية والسياسية». وتأتي رسالة رئيس الجمهورية لتذكرنا بالخطاب الذي ألقاه يوم 15 أفريل 2011 عندما استجاب لمطالب الشباب الذي خرج إلى الشارع، نتيجة ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية، حيث تعهد بإدخال إصلاحات. وهو ما تم عبر إجراء مشاورات واسعة، أشرف عليها رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح. غير أن السياق يختلف اليوم، حيث يتحدث الرئيس بوتفليقة في رسالته الأخيرة عن إرساء نظام جزائري جديد يتوقع أن يفضي إلى إصلاحات أعمق، لكن بالتدرج، بحيث يأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الأمنية التي يدركها أهل الاختصاص، فضلا عن سد الطريق أمام محاولات تحريف منحى المظاهرات الشعبية عن أهدافها الحقيقية، تفاديا للأحداث الأليمة والفوضى التي عرفتها بعض البلدان العربية وفق ما يعرف بثورات «الربيع العربي».