قال الأمين العام الأسبق للمؤتمر القومي العربي والمجاهد عبد الحميد مهري أمس أن الجزائر قادرة على لعب دور محوري في الأزمة الفلسطينية الداخلية بالنظر إلى موقعها في أوساط القوى السياسية الفلسطينية، مؤكدا أن استمرار المقاومة مع إرفاقها بالنضال الدبلوماسي والسياسي والإعلامي أصبح أمرا مستعجلا في الظروف الراهنة التي تمر بها القضية. وذكر السيد مهري في تدخل له خلال اليوم البرلماني حول غزة الذي بادرت إلى تنظيمه المجموعة البرلمانية لحزب العمال بالمجلس الشعبي الوطني بأن الجزائر مدعوة اليوم الى لعب دور أكثر نشاطا فيما يخص القضية الفلسطينية وبخاصة ما تعلق بتحقيق المصالحة الوطنية بين الفرقاء، حركة فتح وحركة حماس، وبنى مقترحة هذا من منطلق أن الجزائر تحظى باحترام لدى الجانبين، وأنه ليس لأحد من الفريقين مآخذ على المواقف الجزائرية تجاه القضية، كما أن الثورة التحريرية بإمكانها أن تكون مرجعية للصراع الفلسطيني الصهيوني حيث هناك قواسم مشتركة بين الحالتين أهمها عدم اعتراف الكيان الصهيوني بحق وجود الفلسطينيين فوق أرضهم، تماما كما كان الحال بالنسبة للاستعمار الفرنسي. ويرى الأمين العام الأسبق للمؤتمر القومي العربي بأن التشبث فقط بمقولة الراحل هواري بومدين "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" لا يكفي للتعبير عن الموقف الجزائري بل "نحن بحاجة الى التحرك أكثر ميدانيا لإنقاذ القضية الفلسطينية التي تحدق بها مخاطر من كل جانب". وبالنسبة للسيد مهري فإن العدوان الصهيوني الأخير على سكان قطاع غزة أكد أمرا مهما هو ضرورة التمسك بالمقاومة كخيار استراتيجي لكن دون أن يودي ذلك الى إهمال "المقاومة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية"، وربط الانقسام في الصف الفلسطيني الداخلي بما يحدث في الصف العربي وأوضح أن الهوة التي توسعت بين حركة فتح وحركة حماس مردها الانقسام الحاصل في الأمة العربية، وأن جوهر الخلاف يكمن في تباين الرؤى حول أولوية النضال وما إذا كان يتم تسبيق العمل العسكري على العمل السياسي أم العكس، ليخلص الى التأكيد على أن محاولات فرض اتفاقية "كامب ديفيد" لم يأت بأي جديد ولم يغير من طبيعة الاحتلال الصهيوني من شيء داعيا الدول العربية الى التخلي عن نهج التراخي وتفضيل المواقف الجريئة التي تؤدي حتما الى الحفاظ على مصالح الشعب الفلسطيني. واعتبر السيد مهري العدوان الصهيوني الأخير على غزة خير دليل على أن القضية الفلسطينية لن تعرف حلا على المدى القريب. وندد المشاركون في اليوم البرلماني الذي أشرفت على افتتاحه الأمينة العامة لحزب العمال السيدة لويزة حنون بالعدوان الأخير. وحمّلوا الدول العربية والمجتمع الدولي مسؤولية سقوط 1350 شهيدا خلال ال 22 يوما في العدوان. ووصفت السيدة حنون في تدخلها القرارات الأممية والعربية تجاه العدوان الصهيوني ب"الباهتة" حيث لم تساير تحديات الظرف الذي مر به سكان قطاع غزة. وحسبها فإن العدوان الصهيوني على غزة يندرج في سياق الحرب الشاملة التي أعلنها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش على شعوب كثيرة في المعمورة. وأشار إلى أن تلك الحرب أثبتت فشل كل مخططات السلام الشيء الذي يفرض اليوم على الفلسطينيين التشبث أكثر من أي وقت مضى بالمقاومة. الفلسطينيون وأولوية المصالحة الوطنية وكان من بين المدعوين للمشاركة في أشغال اليوم البرلماني السفير الفلسطيني في الجزائر السيد محمد الحوراني، وممثل عن حركة حماس وآخر عن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعكست تدخلات المسؤولين الهوة الموجودة بين مختلف القوى الفلسطينية، رغم أنهم أكدوا تمسكهم بالحوار والمصالحة، وانصب النقاش على أولوية النضال السياسي على المقاومة أو العكس وكذا حول منظمة التحرير الفلسطينية وهل تبقى مرجعا للكفاح أم يتم التوجه الى اعتماد مرجعية جديدة. وتجمع كل الفصائل على أن إسرائيل تسعى من خلال عدوانها على غزة استنزاف الشعب الفلسطيني، وتكريس الانقسام الداخلي وتحويل مطالب الفلسطينيين من مطلب استقلال الى مطلب الحياة فقط. وذكر السفير الفلسطيني في الجزائر بأن إسرائيل تسعى الى إلحاق غزة بمصر والضفة الغربية بالأردن. ومن جهة أخرى اعتبر الحديث عن مرجعية جديدة كما اقترحها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل "عبث ولهو" لأنه لا يمكن أن يتم إعادة النظر في مرجعية لا يزال كل الشعب الفلسطيني يحتضنها، وبفضلها أصبحت للدولة الفلسطنية أكثر من 40 سفارة في العالم. وأكد أن المرحلة الحالية تفرض على الجميع السير في طريق تكريس الوحدة الوطنية التي تبقى الحل الوحيد بحيث أنه "لاخيار إلا خيار الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية التي يستوجب إعادة بنائها". وحول الانقسام الحاصل في صفوف الفصائل وتأثيره على الموقف الفلسطيني أكد السيد الحوراني أن "الخلاف لا يكمن حول مبدأ المقاومة الذي لا نقاش فيه وإنما يدور حول كيفية إدارتها". ويرى أن هذا الانقسام يبقى أحد أهم الأسباب التي تقف وراء فشل مسار "أوسلو" اضافة إلى كون حالة الانقسام قد دفعت بالشعب الفلسطيني على مر السنين الى دفع ثمن مضاعف. وخلص السفير الفلسطيني الى التأكيد على أن المسؤولين الفلسطينيين مدعوين الى "وضع برنامج وطني يضم كل الفصائل يتوفر على الحد الأدنى الذي يضمن تكريس حوار بناء". ومن جهته لفت ممثل لجنة اللاجئين بالمجلس الوطني الفلسطيني السيد صالح صلاح النظر الى أن الانتصار الذي حققه أهالي غزة ومن خلالهم الشعب الفلسطيني يعود في الأساس إلى عدة عوامل أهمها "الوحدة الميدانية التي تجسدت بين جميع الفصائل الفلسطينية عسكريا" وهو الأمر الذي "يعزز من حقيقة مفادها ضرورة توحيد المواقف والرؤى بين مختلف الأطياف الفلسطينية". وفي ظل "استحالة التعايش مع الكيان الصهيوني الذي لا يريد السلام في ظل فشل سياسات التسوية من خلال المفاوضات" يرى السيد صلاح أنه يتعين "التمسك بمنظمة التحرير بعد جعلها إطارا جامعا لكل الفصائل ضمن رؤية سياسية واضحة تحظى باتفاق الجميع". وبدوره أكد أبو أحمد عامر عن حركة حماس الفسطينية أن المقاومة التي قادها أهل غزة "استطاعت تكريس مفهوم الوحدة الوطنية (...) وحققت خلال أيام ما عجزت عنه المفاوضات المستمرة منذ سنوات". وفي هذا السياق يقول ممثل حماس أنه "إذا أردنا حوارا ووحدة وطنية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية فإنه يتعين إعادة بناء هذه الأخيرة على أساس مبدأ المقاومة وليس المفاوضات التي لم تجلب لنا سوى العار" مذكرا في السياق بأن المقاومة كانت الأساس لإنشاء المنظمة ليرد عليه السفير الفلسطيني في تعقيبه أن المرجعية الرئيسة للمنظمة تبقى المقاومة. هل سيتم إحالة مجرمي الحرب الإسرائيليين على محكمة الجنايات الدولية ؟ رفع أكثر من متدخل شعار محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام محكمة الجنايات الدولية، وتقاطعت تصريحات ممثل المجلس الوطني الفنزويلي وسفير إيرانبالجزائر على ضرورة أن لا يفلت المتورطون في تلك الحرب من العقاب. ولكن المحامي ميلود براهيمي ومن خلال تقديمه لمقاربة قانونية أكد استحالة تحقيق المبتغى بالنظر الى المعطيات الميدانية المتوفرة حيث أن القانون الدولي الحالي لا يتيح فرصة متابعة مجرمي الحرب الاسرائيليين لدى محكمة الجنايات الدولية من منطلق أن إسرائيل لم توقع على اتفاقية روما لسنة 2005 التي تم بموجبها إنشاء محكمة الجنايات الدولية، شأنها في ذلك شأن دول أخرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا، مشيرا الى أن العالم عرف إنشاء ثلاثة محاكم الأولى هي محكمة نورمبرغ التي أنشأها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية لمحاكمة قادة دول المحور، والثانية هي محكمة الجنايات حول مجازر روندا سنة 1994، ثم محكمة الجنايات حول يوغسلافيا سابقا نهاية التسعينات، وأوضح أن الاحتمال الوحيد هو رفع دعوى قضائية لدى الدول التي لها اختصاص جنائي دولي كما هو الحال في بلجيكا قبل أن تعدل القانون وفي اسبانيا حيث سارعت الحكومة الاشتراكية الحالية تحت ضغط الاسرائيليين الى إعلان الشروع في تغيير قوانينها حتى لا يتم متابعة المسؤولين الاسرائيليين.