أكد أستاذ الاقتصاد، نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني، الدكتور أحمد شريفي، أن تحرير القروض البنكية من العراقيل البيروقراطية وهاجس المتابعات القضائية للقائمين على صرفها أضحى ضرورة لرفع الركود عن المشاريع الاستثمارية المتعثرة، مشددا في سياق متصل على ضرورة أن لا تؤخذ المشاريع الوهمية التي نهب المتابعون قضائيا بشأنها، ما يربو عن 4568 مليار دينار، كمرجعية في الفعل الاقتصادي. وذكر الدكتور شريفي في تصريح ل«المساء" أن العديد من المستثمرين يواجهون اليوم بعض الصعوبات على مستوى البنوك، حيث يجدون عراقيل في الحصول على تمويل مشاريعهم الاقتصادية، لأسباب ترتبط بالبيروقراطية التي اعتبرها العائق الأول أمام أصحاب المشاريع، مشيرا إلى أن هذه الآفة تعتبر من ممارسات الماضي المرتبطة بالفساد، والتي لم يستطع بعض المسؤولين بالمصارف التخلص منها ولازالوا يعتمدونها كعملة للتداول، ضاربين عرض الحائط التغيير الذي جاء به الحراك الشعبي المبارك، ما يقتضي حسبه توسيع دائرة التغيير لتطال من يعرقلون عجلة التنمية الوطنية.بالإضافة إلى هذا، يمتنع البعض حسب الدكتور شريفي عن منح القروض خوفا من المتابعات القضائية وشبهات الفساد، إذ أصبح عدد من مسؤولي المؤسسات البنكية يترددون كثيرا في منح التراخيص للاستفادة من القروض البنكية، لاسيما بعدما أبانت التحقيقات القضائية الأخيرة أن القروض البنكية التي التهمتها المشاريع الوهمية وعديمة الجدوى الاقتصادية بلغت 4568 مليار دينار. وهنا نصح الأستاذ شريفي باستقالة المسؤولين الذين ليسوا أهلا للمسؤولية والاضطلاع بالدور المناط بهم في هذا الظرف الصعب، "كون ممارسات الماضي لا يمكن أن تكون دائما الخلفية في التعامل مع الملفات، لاسيما وأن التباطؤ في منح القروض لمشاريع مستوفية الشروط تترتب عنه آثار خطيرة على الاقتصاد الوطني، خاصة في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد منذ سنوات، والتي عمقها الوباء وزاد من حدتها انخفاض برميل النفط وتأثيرات ذلك على إيرادات الخزينة العمومية. كما يبرز نقص السيولة كعامل آخر في تعثر عملية القروض البنكية، حسب الأستاذ ريفي الذي استحسن مسعى تدارك هذا النقص من خلال فتح شبابيك الصيرفة الإسلامية..وحصر محدثنا المعايير الأساسية لمنح القروض البنكية من دون الوقوع في المشاكل، في الجدوى الاقتصادية للمشاريع والطلب الموجود في السوق والمردودية والتأطير البشري للمشروع، فضلا عن خلق مناصب الشغل والقيمة المضافة للاقتصاد الوطني، "وهي معايير يمكن للمصرفي أن يحتكم إليها في منح القرض دون أي مخاوف". كما نصح الدكتور بضرورة إعادة النظر في المنظومة القانونية وفي مقدمتها قانون النقد والقرض الذي اعتبره غير ملائم للمعاملات الحالية، مسجلا تحفظات على المنظومة التي تحكم علاقة البنك المركزي والبنوك التجارية، ليخلص في هذا الصدد إلى أن النصوص التنظيمية ينبغي أن تكتسي مرونة في مستوى الفعل الاقتصادي وما يتطلبه من حرية في المبادرة. التحرر من تركة الفساد ضروري لتحرير المبادرات الاقتصادية وأشار الدكتور شريفي إلى أنه، على الرغم من التراكمات والمشاكل التي ألمت بالاقتصاد الوطني جراء عدة عوامل داخلية وخارجية، غير أن الحكومة حريصة على منع منح القروض البنكية لرجال الأعمال بدون ضمانات، مع فرضها لالتزام جديد يخص دفع الضرائب المتراكمة. وذكر في هذا الخصوص بأن النفوذ السياسي سمح للقروض الاقتصادية الموجهة للخواص - قبل الحراك الشعبي - بالقفز من 2722 مليار دينار سنة 2013 إلى 4568 مليار دينار سنة 2017، بدون أي ضمانات جدوى، ما أنهك حسبه إيرادات الخزينة العمومية وجعلها في وضعية إفلاس مبرمج، مشيرا كمثال على هذا الواقع، إلى أن الرقم الخاص بالقروض البنكية التي استفاد منها أحد المتعاملين خلال الفترة المذكورة، بلغ 1216 مليار دينار "وهو جزء صغير من الأموال التي منحتها البنوك العمومية لرجال أعمال كانوا يتمتعون بحماية ونفوذ سياسي..". وحسب محدثنا، فإن التنافس بين رجال الأعمال على القروض البنكية العمومية بدأ في 2013، حيث منح خلال هذه سنة 2722 مليار دينار، ليرتفع الرقم إلى 3121 مليار دينار في 2014. "وتواصلت عملية ضخ الأموال العمومية في جيوب المتعاملين لترتفع قيمة القروض سنة 2015 إلى 3588 مليار دينار. وتواصلت العملية في سنة 2016 بمنح 3957 مليار دينار لتصل ذروتها سنة 2017 بمنح 4568 مليار دينار. مع الإشارة إلى أنه، من ضمن حوالي 8000 مليار دينار من القروض الإجمالية التي وجهت في الفترة الماضية للمؤسسات الخاصة والعمومية، نحو 50 بالمائة منها استفاد منها مستثمر واحد على فترات متفرقة، دون نتائج ملموسة تقابل تلك القروض الهائلة، وتضاف لهذه الأرقام الكبيرة، الضرائب غير محصلة والتي قدرت بأزيد من 13 ألف مليار دينار حسب إحصائيات سنة 2016، منها 7 مليار دج تتعلق بمؤسسات مفلسة ما يعني استحالة استرجاعها. في الأخير، شدد الدكتور شريفي على ضرورة تحرير البنوك والمؤسسات من النفوذ السياسي وجعلها تنشط وفق الجدوى الاقتصادية للمشاريع فقط، وتبني معايير الشفافية والنزاهة في تعاملاتها.