إحياءً لليوم الوطني للمجاهد والذكرى المزدوجة (20 أوت 1955- 20 أوت 1956)، كرمت وزارة الثقافة والفنون بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، نهاية الأسبوع الماضي، أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني؛ عرفانا بما قدموه من أجل الاستقلال، ووفاء للعهد المقدس للذاكرة وضد النسيان. الشاعر اللبناني طلال حيدر في قصيدته "إلا أنت يا جزائر" يقول: "كل أرض جبلتها الريح من رمل وماء، إلا أنت يا جزائر، جبل الله ثراك من دماء الشهداء، عطش الثوار للحرية الحمراء من نبع الفداء، فسقى الله العطاشى من أكف الأنبياء، امتطوا صهوة الموت وصالوا، فوق عهام الكبرياء، قالوا يا أرض افرحي، واشربي منا الدماء، علميهم يا جزائر كيف يغدو الشعب أسطورة عز وإباء، رفرفي يا راية المجد على كل فضاء، كتب الدم على السيف، افتحي يا أرض أبواب السماء". ولأن الثمن كان بالنفس والنفيس تأتي أعياد الجزائر لاستحضار من امتطوا صهوة الموت لترفرف راية المجد، وما يوم المجاهد إلا محطة تضاف إلى مسيرة تثمين الذاكرة لشعب المليون ونصف مليون شهيد. وبالمناسبة، نوهت وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة بالدور الفعال الذي أداه أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني إبان ثورة أول نوفمبر 1954، والتي "أضفى عليها النضال الفني وجها جماليا، قائلة إنه بفضل الثقافة والفن "استطاعت الجزائر أن تحافظ على خصوصيتها" رغم عقود من الاستعمار، الذي لم يقض على شخصية وهوية الجزائريين بفضل الثقافة. وأكد الأمين العام لوازرة المجاهدين وذوي الحقوق العيد ربيقة، أن اليوم الوطني للمجاهد يقترن بتخليد الذكرى المزدوجة للهجومات التي شهدتها منطقة الشمال القسنطني في 20 أوت 1955، ونجاح قيادة الثورة في عقد مؤتمرها بالصومام بإفري أوزلاقن (بجاية) في 20 أوت 1956، مضيفا أن "الاحتفاء بهذا اليوم كان ولايزال في مضامينه ومراميه العديدة يعبر عن الوفاء" لذوي الفضل من المجاهدات والمجاهدين ومن بينهم أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني. واسترسل قائلا إن للفنانين خلال مراحل المقاومة الشعبية والحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر "دورا فعالا" في تعبئة الأجيال، وتنظيم الصفوف لمحاربة المستعمر. وكُرم بالمناسبة بعض أعضاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني- التي تأسست في 1957 من طرف الفنان الراحل مصطفى كاتب، ومن بينهم عبد الرحمان بسطانجي المعروف باسمه الفني "طه العامري"، والملحن مصطفى سحنون ومحمد الهادي بوليفة وسعيد سايح وصافية كواسي وحليمة زرقاوي، وذلك بحضور الوزير المستشار للاتصال الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية محند أوسعيد بلعيد، وعدد من أعضاء الحكومة. ويعود إنشاء الفرقة الفنية إلى إدراك جبهة التحرير الوطني أن الفن سلاح من نوع آخر في غاية الفعالية، لتأمر بإنشاء هذه الفرقة بتونس، وتكون ناطقا حقيقيا باسم الكفاح الجزائري، وكيانا مهما في دحض مزاعم المحتل والتعريف بشخصية وثقافة الجزائر. فبعد سنوات قليلة من اندلاع الثورة الجزائرية، قررت جبهة التحرير الوطني فتح باب جديد للمقاومة ضد الاستعمار، وهو الباب الفني والثقافي المجيد. وانبثق عن هذا الوعي إنشاء الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني بتونس في مارس 1958 تحت قيادة الفنان المرحوم مصطفى كاتب، حيث تم استدعاء الفنانين الجزائريين من عالمي التمثيل والموسيقى في كل من الجزائروفرنسا والمغرب وتونس وسويسرا، ولبّى الكثير منهم النداء (حوالي 40)، والتحقوا بفيلا "باردو" بتونس، لتنطلق التدريبات الفنية في غضون ستة أشهر كاملة، كان فيها الفنان كالجندي يطبق التعليمات، ويحضر نفسه لمهمته. وكان أول عرض فني تحت اسم "نحو النور" بالمسرح البلدي لمدينة تونس، وهذا في 24 ماي 1958، وهو عرض مطور للعرض "الجزائر تسير" الذي قدمته فرقة المسرح الجزائري في المهرجان العالمي للشباب بموسكو، وهو عبارة عن لوحة فنية ضخمة تمثل خصوصيات المناطق الجزائرية؛ من خلال شاب فدائي يتلقى تعذيبا شرسا بعد القبض عليه من طرف المحتل، فيغمى عليه، وتتراءى إليه امرأة تدعوه إلى القيام بجولة يرى فيها ذكرياته؛ كختانه وأسفاره. وانطلقت الفرقة في شهري جوان وجويلية من نفس السنة في جولة عبر التراب التونسي، يعقبها عرض لمسرحية "مونسيرا" في تونس العاصمة والمدن المجاورة، وهذا في أوت وسبتمبر من نفس السنة. وفي أكتوبر ونوفمبر كانت أول جولة خارج حدود البلد المقيم وكانت الوجهة ليبيا. بعدها جولة إلى يوغسلافيا سابقا، دامت عشرين يوما، وغطت عدة جمهوريات مثل البوسنة وكرواتيا وصربيا. وبعد عودة الفرقة إلى تونس يوم 6 جانفي 1959 شرعت في تحضير مسرحية "أولاد القصبة" من تأليف عبد الحليم رايس. وتحكي عن الكفاح الجزائري داخل المدن. وقُدمت هذه المسرحية التي استلهمت من الواقع الجزائري، في تونس وعلى الحدود، وكان ذلك على شرف ألفي جندي كانوا سيعبرون خط موريس. وخلال العرض طلب مصطفى كاتب من القائد العسكري أن يفرغ الجنود بنادقهم من الرصاص؛ خوفا من ردة فعلهم تجاه بعض المشاهد كمشهد الاغتصاب. كما قُدم أول عرض لمسرحية "الخالدون" في 12 أفريل 1960 في المسرح البلدي لتونس، وهي أيضا من كتابة عبد الحليم رايس، وعُرضت أيضا في الصين بعد دعوة من "اللجنة الصينية للصداقة والتضامن مع الشعوب الإفريقية". وفي يوم 5 ماي من نفس السنة وصلت الفرقة إلى الاتحاد السوفييتي سابقا بعد تلقيها دعوة في إطار الاحتفالات بالذكرى الثالثة والأربعين لثورة أكتوبر، فقدمت مسرحية "نحو النور" في المسرح الشهير "مولي تياتر" علاوة على العديد من الحفلات الغنائية. وبعد هذه الجولة بدأت في إعداد مسرحية "دم الأحرار"، وعرضت لأول مرة في 29 ديسمبر 1961 في المسرح البلدي بتونس. وفي شهري جوان وجويلية في المغرب ومن ثم في العراق، لتكون هذه الجولات كلها برهانا أكيدا على أن الجزائريين ليسوا فرنسيين، وأن لهم باعا طويلا في الثقافة والتراث الأصيلين، وأن فرنسا لا تمتد، حسب أقاويل قادتها، من دانكارك إلى تمنراست.