ثمن الوزير الأول، السيد عبد العزيز جراد، روح المسؤولية العالية التي التزم بها نواب المجلس الشعبي الوطني، من خلال تزكيتهم بالأغلبية الساحقة لمشروع الدستور، "الذي يحمل في مضمونه، تطلعات الشعب المعبر عنها في حراك 22 فيفري، الرامية إلى إحداث قطيعة مع الانحرافات والاستبداد والتطلع إلى إقامة دولة عصرية ديمقراطية واجتماعية تعود فيها المكانة للمواطن والشباب ويتداول فيها على السلطة وتحد فيها من صلاحيات رئيس الجمهورية، متوقعا أن يحظى المشروع بتزكية ودعم شعبي واسع يوم 1 نوفمبر المقبل. ووصف الوزير الأول مستوى النقاش الذي دار داخل لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات، ب«المستوى العالي والقيم"، مشيرا إلى أن مجمل تساؤلاتهم وملاحظاتهم كانت في "الصميم". وأكد في كلمة له بعد جلسة التصويت، أن "هذا المشروع يهدف إلى إقامة دولة عصرية وتحقيق الانطلاقة الفعلية في تطبيق الالتزامات الانتخابية لرئيس الجمهورية في بناء الجزائر الجديدة"، ليبقى الحسم فيه حسبه يوم عرضه على الشعب صاحب السيادة، متوقعا أن يحظى الدستور الجديد بتزكية واسعة، وذلك بقوله "كلنا ثقة بأن يكون الشعب في الموعد مثلما عودنا دائما في المحطات الحاسمة". وخلال كلمته الافتتاحية لجلسة التصويت، عاد الوزير الأول للتذكير بأهم المضامين التي تحملها وثيقة مشروع التعديل الدستوري، على اعتبار أن النقاش لم يكن موسها إلى جميع النواب، وإنما انحصر في أعضاء اللجنة القانونية ورؤساء الكتل والمجموعات البرلمانية وفق المادة 36 و37 من القانون العضوي الناظم لعمل غرفتي البرلمان وعلاقتهما الوظيفية للحكومة. في هذا الإطار، ذكر جراد بالسياق السياسي والاجتماعي الذي جاء فيه التعديل الدستوري بعد الهبة الشعبية ل22 فيفري 2019، مؤكدا بأن مسودة الدستور ترمي إلى "إقامة دولة عصرية ديمقراطية واجتماعية لخدمة المواطن، دولة تستمد إرادتها من الشعب، وفق نمط تسيير تسوده الشفافية وينقض كل أشكال الفساد والبيروقراطية وتجسيد الإصلاح الشامل لإقامة دولة المؤسسات، تطبق فيها المساءلة وتكون فيها الكفاءة معيارا". كما تجسد المسودة ولأول مرة حسب الوزير الأول مبدأ الفصل الحقيقي والتعاون بين السلطات "بعد سنوات من هيمنة السلطة التنفيذية"، مع تعزيز مكانة السلطة التشريعية، وتكريس استقلالية السلطة القضائية، "بعد أن حررت هذه الأخيرة من القيود لحماية حقوق المواطن". إنهاء مرحلة تضارب المصالح واستغلال النفوذ وعاد السيد جراد، مرة أخرى ليؤكد على المبدأ البارز في الدستور الجديد وهو إحداث القطيعة مع الفساد ومحاربته، من خلال الفصل التام بين المال والسياسة وأخلقة الحياة العامة، "لاجتثاث ظاهرة تضارب المصالح واستغلال النفوذ التي كانت ميزة بارزة في الفترة الماضية". وبحكم المكانة التي توليها السلطة الحالية للمجتمع المدني، أبرز المتحدث المكانة التي يحظى بها هذا الأخير في مسودة الدستور ودروه المنتظر القيام به لترقية مفهوم الديمقراطية التشاركية، التي تضعه في صلب السياسات الوطنية العمومية المتعددة، "حيث يعول عليه في تجسيد المراقبة الشعبية". كما يعد النص في تقدير الوزير الأول، الإطار العام الذي يعيد الأمل للشباب ويمنحه فرصة المشاركة في مرحلة البناء من خلال توليه للمناصب وفق الكفاءة التي يتمتع بها، مضيفا في نفس الصدد بأنه، ينتظر من الدستور الجديد أن يعيد للجزائر مكانتها، خاصة في المنطقة، فضلا عن إعادته للمكانة التي يحظى بها الجيش الوطني الشعبي ودوره المحوري في حفظ الأمن والاستقرار الوطنيين مع الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للبلاد، قبل أن يخلص في السياق ذاته، إلى أن مسودة الدستور الجديد، تكرس النمط الجديد للاقتصاد المنتج والتنافسي، بعيدا عن الاعتماد والاتكال الكامل على الريع البترولي، وذلك من خلال استغلال كل الثروات والطاقات البشرية المتواجدة داخل الوطن وخارجه. استفتاء الفاتح نوفمبر سيلم شمل الشعب وبشأن تاريخ الاستفتاء المحدد بالفاتح نوفمبر القادم، قال الوزير الأول بأنه سيكون موعدا "للمّ شمل الشعب الجزائري، من أجل رسم معالم الجزائر الجديدة والانطلاق في بناء المستقبل"، لا سيما بعد أن اكتسى مشروع الدستور طابعا توافقيا وشاملا في النقاش الأولي بإشراك جميع الأحزاب والجمعيات والشخصيات والأكاديميين، طيلة 4 أشهر كاملة. وأشار السيد جراد إلى أن ديباجة النص سردت السياق التاريخي لنضال الشعب الجزائري بداية من ثورة نوفمبر إلى غاية حراك 22 فيفري 2019، مع تكريس المسودة لمفهوم اللحمة الوطنية وقيم الحوار والتسامح من خلال نبذ العنف وخطاب الكراهية، فضلا عن الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة من خلال القضاء على الفوارق الاجتماعية، وخلق اقتصاد منتج تنافسي، والحفاظ على البيئة وعقلنة استغلال الموارد الطبيعية والحفاظ على حق الأجيال الصاعدة فيها. ولدى تناوله للمبادئ العامة، عرج الوزير الأول جراد على تكريس الدستور للبعد الديمقراطي بعيدا عن تضارب المصالح وحماية الحقوق والحريات "التي لا تقيد إلا في إطار القانون"، زيادة على تكريس الأمن القانوني والحق في الحياة مع حماية حقوق المرأة والطفل والمسنين من كل أشكال العنف، إلى جانب ضمان حرية الصحافة ورفع كل أشكال التضييق عليها من خلال تحييد الإدارة وتمكين القضاء وحده من حل النشريات والإذاعات والتلفزيونات في حال مخالفتها للقوانين. اعتماد رئيس حكومة من الأغلبية البرلمانية ووزير أول من الأغلبية الرئاسية من بين أهم التعديلات التي تضمنتها المسودة أيضا، إقامة توازن فعلي بين السلطات، من خلال عقلنة السلطة التنفيذية، التي مسها تعديل يتمثل في اعتماد كل من رئيس الحكومة في حال وجود أغلبية برلمانية ليست من حزب الرئيس ووزير أول في حال كانت الأغلبية رئاسية، أي للحزب الذي ينتمي إليه الرئيس. وتمت عقلنة صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث لا يحق له بموجب مسودة الدستور التدخل في التشريع سوى في حالتين "شغور البرلمان أو الحالات الاستثنائية كالطوارئ والحرب". الرقابة على السلطات وعلى الانتخابات وضمان شفافية المعاملات أما بالنسبة للمؤسسات الرقابية، فقد تجسدت في المسودة في بعض الهيئات الجديدة ومنها المحكمة الدستورية، التي تنظر في دستورية القوانين والأوامر والمعاهدات الدولية مع ضمان حق المواطن في الدفع بعدم دستورية القوانين، بالإضافة إلى محو ممارسات الماضي ووضع حد لظاهرة التزوير الانتخابي، حيث تمت دسترة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، واستحدثت السلطة العليا للشفافية من أجل مراقبة المال العام وترقية الحكم الراشد ووضع حد لظاهرة الفساد التي نخرت المجتمع، من خلال اعتماد التصريح بالممتلكات ووضع استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد. نعول على المجتمع المدني لترقية الديمقراطية التشاركية والمواطنة كما ذكر الوزير الأول بالمجالس الاستشارية التي نصت عليها المسودة، كالمجلس الإسلامي الأعلى، المجلس الأعلى للغة العربية، المجلس الأعلى للأمن، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المجلس الوطني للشباب والمجلس الوطني للبحث العلمي، تضاف إليها المجالس الجديدة المستحدثة في النص الجديد، ومنها المرصد الوطني للمجتمع المدني الذي قال إنه "يعول عليه في ترقية مفهوم الديمقراطية التشاركية والمواطنة"، وأخيرا الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيا. وأشار السيد جراد إلى الاستثناء الذي جاءت به المسودة فيما يتعلق باللغة الأمازيغية، حيث تم حظر تعديلها باعتبارها لغة وطنية ورسمية، منعا من استغلالها في أي مناسبات، ليخلص في الأخير إلى أن "أصالة الشعب الجزائر تضمن احترامه للدستور وحرصه على بناء دولة ديمقراطية وعصرية يسودها الحق والقانون، وهو ما يرتقب أن يسجلها تاريخ الاستفتاء المصادف لعيد الثورة المجيدة".