رغم أن زوجها تخلى عنها بعد أن أصبحت معاقة، إلا أن تلك الصدمة لم تكن إلا حافزا ودافعا قويا لها من أجل أن تثبت وجودها من خلال استغلال موهبتها. فكونها معاقة لا يعني أنها باتت عديمة النفع، ففي وجود الإرادة لا وجود لليأس، ومع الأمل يغيب اليأس، هي بعض الشعارات التي اعتبرتها السيدة ليلى فدا ماجي (48 سنة)، أم لطفلين هما أملها في الحياة ودافعاها نحو الأمام. حقيقة صدق من قال »كلنا معرضون للإعاقة«، فحادث بسيط قد تترتب عنه آثار وخيمة تلتصق بالشخص طيلة حياتة، وهو ماحدث للسيدة ليلى التي التقتها "المساء" بجمعية الرحمة للمعوقين ذهنيا الواقعة ببلدية بني مسوس. عن إعاقتها وموهبتها التي فجرتها بعد الإعاقة تقول »بينما كنت أنظف يومها جدران منزلي في شهر رمضان سقطت من أعلى السلم، وكان السقوط مؤلما، إلا أني لم أزر الطبيب إلا بعد أن انتقل الألم إلى أصابع يدي ورجلي، وبعد الخضوع للعلاج تبين أني أصبت جراء السقوط بمرض »بولياتخيت« والذي نجمت عنه إعاقة جعلت أصابع يدي ورجلي منكمشة، وكم كان وقع الصدمة كبيرا علي، وما زاد الطين بلة أن زوجي ورفيق دربي تخلى عني في الوقت الذي كنت فيه بأمس الحاجة إليه. لم يأبه لما أصابني وطلقني وبحث عن زوجة أخرى سليمة، فالمعاقة لم تعد تناسبه، بعدها ظل سؤال واحد عالقا في فكري هو »لماذا يتخلى الزوج عن زوجته لمجرد أنها باتت معاقة، في الوقت الذي تجتهد فيه الزوجة للعناية به لو حدث العكس؟« إلا أنني سرعان ما أجبت نفسي عن هذا السؤال البديهي فقلت: "بكل بساطة لأن الوفاء يغيب في بعض الرجال ولأن همهم الوحيد البحث عن المصلحة فقط"، تصمت المتحدثة لفترة من الزمن، تأخذ نفسا عميقا وتواصل قائلة: "كاد الفراغ ووقع الصدمة والإعاقة أن يقضي علي، لم استطع أن أتحمل الوضع الى ان تدخل محيطي العائلي ونصحني بضرورة الخروج من العزلة والانضمام الى الجمعيات التي تعنى بكل ما يخص المعاقين، بما في ذلك مساعدتهم على تقبل الإعاقة، والقيام بنشاط أنسى من خلاله إعاقتي، وأشعر بأنني فرد نافع في المجتمع، وهو ما حدث فعلا، حيث اكتشفت السيدة ليلى بداخلها موهبة لم تكن تعرفها ولم تمارسها في حياتها يوما، فبأدوات بسيطة كالغراء والورق والألوان والقماش تجسد اشكالا لا يمكن لمن ينظر إليها أن يصدق بأن من قامت به هي معوقة، إذ لشدة انكماش أصابعها يصعب حمل المقص أو الإبرة أو القلم، ولكن مع هذا اعتبرت السيدة ليلى أن هذا النشاط اليدوي بمثابة إعادة التأهيل لأصابع يديها، فبعد أن كانت لا تستطيع أن تحرك أصابعها بات بإمكانها أن تمارس نشاطاتها بكل سهولة. وبفضل إرادتها القوية تمكنت من الظفر بجائزة خلال مشاركتها في معرض، حيث أعدت حلوى كبيرة من الورق، الناظر إليها لا يفرق بين الحقيقي والاصطناعي، إلى جانب إنجازها لصورة مصغرة عن دار الثقافة رشيد كواش الواقعة بباب الوادي، والتي تبدو لشدة إتقانها ومراعاتها لكل التفاصيل كأنها حقيقية، إلى جانب نماذج أخرى متعددة كلها لمواضيع مختلفة، وتؤكد المتحدثة أنه بمجرد أن يقع نظرها على شيء ما ويعجبها تقوم مباشرة بتجسيده، فهي تعتمد فقط على مخيلتها وأصابع يديها. ولا تملك السيدة ليلى إلا أمنية واحدة وهي أن تحظى بفرصة لتعليم تلاميذ الابتدائية أو تلاميذ الطور التحضيري الأشغال اليدوية، وبالتالي الحصول على مورد رزق يمكنها من إعالة نفسها وأولادها أو أن تتحصل على إمكانية خياطة متطورة حتى تعينها على القيام بنشاطاتها اليدوية الأخرى، فهي أيضا تجيد الخياطة والطرز والفتلة رغم الصعوبات التي واجهتها بسبب انكاماش أصابعها.