يعد الزواج حلم كل شاب يطمح إلى إتمام نصف دينه و تأسيس أسرة صغيرة يعيش وسطها و يكون مسؤولا عنها، كون الزواج حقا شرعيا لبني البشر ككل لا فرق فيه بين سوي ومعاق مادام قادراً على فتح بيت. إلا أن الواقع يتنافى مع كل هذه المعاير، فالمعاق في مجتمعنا الجزائري يصطدم بعدة عوائق تحول دون تحقيق مطامحه في الحياة وتحرمه من أن يحيا حياة سعيدة كتلك التي يتمناها. ومثل هذا الحاجز النفسي إما أن يخلق منه إنسانا طموحاً يتحدى العقبات أو يائساً مهزوماً عازفاً يستسلم للأمر الواقع فيتخلى عن كل أحلامه والزواج في مقدمتها. لا تختلف فئة المعاقين في المجتمع عن باقي الناس فهي الأخرى لها مطامحها وغايتها في العيش الكريم رغم نظرة المجتمع ورغم منحة المعاق الضئيلة والظروف التي غالبا ما تؤدي إلى عزله عن المجتمع بدل اندماجه ومشاركته وإسهامه فيه. ورغم ذلك يبقى المعاق يتمتع بإرادة قوية أو كما يقال عنها ''فولاذية'' بالنظر إلى كل ما حققته من انتصارات على الإعاقة في ميدان الرياضة والحرف اليدوية، لذلك فإن هذه الفئة غالبا ما تحقق مرادها خاصة فيما يتعلق بقضية الزواج متحدية بذلك الإعاقة والظروف ، وهذا ما لمسناه في قصة ''صالح'' و''رشيدة '' اللذين تحديا كل صعوبات الحياة من أجل الارتباط الذي كانا يطمحان إليه والعيش في بيت واحد، فصالح الذي يعاني من إعاقة حركية يقول إنه بعدما استطاع أن يتعايش مع إعاقته الحركية لقي الكثير من الرفض من قبل عائلته في مسألة زواجه، كونه المعاق الوحيد في العائلة وكل أخوانه أصحاء، فعائلته كانت تخجل به في كثير من المرات، ثم لقي نفس الرفض والحيرة من الأصدقاء الذين كانوا ينظرون إليه بنظرة دونية، إلا أنه نجح في إقناعهم بأنه قادر على الاتكال على نفسه والقيام بأعمال وإنجازات قام بها الأصحاء، وأنه لا يمكن أن يخجل بإعاقته لأنه أثبت وجوده من خلال تلك النجاحات التي حققها في حياته. وها هو يريد أن يعقد قرانه على فتاة اختارها لأن تكون شريكة حياته ويمضي معها بقية حياته لأنه يريد أن يتم نصف دينه، كونه إنسانا مثله مثل باقي بني البشر له قلب وأحاسيس يشعر ويحب مثلهم. إلا أنه عند طرحه فكرة الزواج على عائلته كانت إجابة عائلته التي كان يتلقاها بشكل متكرر تتلخص في عبارة '' لا..لا هذا أمر مفروغ منه ولا يعاد الحديث فيه، إذ لا يمكننا أن نتقبل في حياتنا امرأة معاقة أخرى''، كون اختياره وقع على فتاة تعاني من إعاقة حركية. إلا أن قوة وعزيمة صالح ورشيدة جعلتهما ينالان مرغبوهما، وبالفعل تزوجا بعدما تحديا رفض الأهل للفكرة إذ حتى عائلة الفتاة من جهتها حاولت أن تعرقل مسيرتهما، غير أنهم تفطنوا فيما بعد أن ابنتهم متعلقة بصالح وكونها معاقة لن تتاح لها فرصة الزواج مرة ثانية، خاصة وان وضع المرأة المعاقة مختلف ومعقد كونها تواجه الكثير من الصعوبات بسب إعاقتها سواء أكانت الإعاقة بسيطة أو معقدة فهي تتلقى الصعوبات من قبل الأهل وكذا من الآخرين وبذلك تكون شروط زوجها تعجزيه بالنسبة لها، لذلك استسلم أهل رشيدة للأمر الواقع وتقبلوا الفكرة. بعد شد وجدب من الزوجين رشيدة وصالح إلا أن عزيمتهما وإرادتهما هي التي نجحت في نهاية المطاف وهما يعشيان حياة سعيدة، على حد قول رشيدة التي أخبرتنا أنها من رغم إعاقتها إلا أنها لا تشعر بنقص في جسدها أبدا كون زوجها يساعدها ، الأمر الذي جعلها تتجاوز إعاقتها وتتجاهلها. مراد شاب في الثلاثين من عمره يعاني من إعاقة حركية كلية أقعدته على كرسي متحرك، غير أنه واحد من الشباب المعاق الذي ينبض بالحركة والنشاط والتفاؤل بالحياة رغم كل الصعوبات التي يتلقاها، لأن أمله في الله كبير، على حد قوله. ويزيد على كلامه أن الله يعوض دائما عبده بما هو أحسن ويترجم ذلك من خلال زواجه من زوجة آنسته في وحدته وأعانته على مصاعب الحياة، مع العلم أن زوجته فتاة سليمة ولا تعاني من أية إعاقة ، هي إنسانة دفعته نحو الأمام وجعلت من معنوياته عالية جداً، كما ساعدته في التغلب على العوائق التي يتعرض لها أي شاب سليم فكيف إن كان معوقاً. ''لم أكن أشعر أبداً أن زوجتي تشفق علي أو تحسن إلي فقد كانت تعتبرني زوجها الذي تكمل معه باقي حياتها ورزقنا هذه السنة بصبية''، يقول مراد. ''الزواج حق نحن محرومون منه لأننا معاقين '' آمال ورضا حالة أخرى تختلف عن الحالتين السابقتين، كون رضا شاب يعاني من إعاقة جزئية على مستوى الرجل والقدم اليمنى وكذا اضطراب في الكلام، في حين آمال تعاني من مرض الصرع ومن نوبات بين الحين والآخر خاصة في الأوقات التي تعاني فيها من مشاكل. قصة رضا وآمال تحمل في مضمونها الكثير من الحزن الذي كاد أن يقضى على حياتهما بعدما دمر حلمهما في الزواج والعيش في بيت واحد، خاصة وأن رضا متعلق كثيرا بآمال، إلا أن تدخل أهل رضا حال دون إتمام غاية الشابين للمضي قدما في مشروع الزواج، فأم رضا رفضت الفكرة من الأساس ونبذت فكرة زواج ابنها بحجة أنه معاق لا يمكنه التكفل بعائلة، إلا أن إصرار رضا على أمه شكل عليها نوعا من الضغط إلى أن انصاعت إلى أمره ووافقت على الذهاب لرؤية الفتاة التي يريد ابنها الزواج منها، إلا أن أم العريس عندما التقت أمال عاملتها بكل قسوة وصرخت في وجهها أنها لا تريد أن تزوج ابنها وأن الفكرة مرفوضة من الأساس، ولذلك عليها أن تتخلى عن فكرة الزواج لأنها معاقة ولا أحد سيقبلها، خاصة وأنها تعاني من نوبات الصرع زيادة على أنها بالكاد تتحمل مسؤولية ابنها فلا يمكنها أن تتكفل بمعوقين داخل بيت واحد، وهي الصدمة التي كان لها وقع أليم في نفس آمال نتيجة نظرة الاحتقار التي تلقتها من أم رضا والتي جعلتها تشعر بأنها كائن لا يستحق العيش في المجتمع. وبذلك فان من أصعب الأمور التي يتعرض لها المعاق وتؤثر فيه تكمن في الأساس في نظرة الاحتقار التي يتلقاها من الآخرين، أو حالة الإشفاق والمشاعر الباردة. والمجتمع الجزائري مايزال ينظر إلى فكرة زواج المعاق، خاصة إذا كان بشخص معاق مثله، نظرة غير مرغوب فيها. وهي المسالة التي تزيد من إحباط المعنويات وتقلل من حماسة العيش وتجعل من المعاق إنسانا وحيدا معزولا يشعر بالنقص والاختلاف عن بني البشر. وهذا الشعور تسبب فيه بعض أفراد المجتمع الذين يعاملون فئة ذوي الاحتياجات الخاصة على أنهم أفراد يعانون من نقص في الوقت الذي يجدر بنا أن نعاملهم على أنهم أشخاص أسوياء لا يقلون أهمية عنا.