نسبة المشاركة القوية التي سجلها الناخبون الجزائريون، والتي في الحقيقة فاقت كل التوقعات بالنظر إلى معطيات كثيرة هي رد واضح وصريح من الجزائريين على أعدائهم الذين سعوا بكل الأساليب للتشويش على الحملة الانتخابية وعلى هذا العرس الديمقراطي. إن نسبة 74 بالمائة بقدرما أنها لم تكن منتظرة، فإنها كانت متوقعة لعدة عوامل في مقدمتها عامل التحدي، فزيادة على العملية التحسيسية بأهمية الانتخابات والانخراط الكبير للمواطن هذه العملية، فإن الشعب أراد أن يمرر رسالة الى أولئك الذين يريدون أن ينصبوا أنفسهم أوصياء عليه، ليقول لهم أنه لم يعد في مرحلة الفطام، بل بلغ من النضج السياسي والوعي درجة تمكنه من التمييز بين الغث والسمين وبين من يرفع شعار الديمقراطية ممارسة واقتناعا ومن يتظاهر بالديمقراطية. الشعب الجزائري بهذه المشاركة القوية أراد أيضا أن يبرهن لأولئك أنه أكثر ديمقراطية منهم لأنه إذا أراد الاستمرار أو التغيير فإنه يحتكم الى الصندوق وليس الى النزوات وديمقراطية المكاتب والبيانات، ذلك أن من رفعوا شعار المقاطعة، قاموا بذلك كما عودونا دائما، لأنهم يخشون مواجهة الشعب والاحتكام الى الصندوق. إن الديمقراطي الذي يؤمن به الشعب هو الذي ينزل الى الميدان ويطرح برنامجه ويقترح البديل ويقنع الرأي العام لكسبه، أما الديمقراطي الذي يتخندق خوفا من مواجهة الشعب ويقاطع المواعيد الانتخابية فإنه يدرك مسبقا أن لا مكان له وسط هذا الشعب الذي يرفض الديمقراطية حسب المقاس. الرسالة التي وجهها الناخبون الجزائريون أمس أكدت مرة أخرى أن هذا الشعب يرفض أن يتاجر البعض بمآسيه وظروفه، كما يرفض أيضا أن تنسف آماله من طرف زارعي اليأس الذين لا يروقهم أن يروا الجزائر تستعيد عافيتها واستقرارها وأمنها وأن ينعم هذا الشعب بالرخاء والازهار. فهل طرح هؤلاء على أنفسهم يوما لماذا يخشون الصندوق ولماذا لا ينطقون في كل موعد واستحقاق وطني إلا بالمقاطعة؟ ومن رخص لهم بأن يتحدثوا باسم هذا الشعب الذي تفطن لما يحيكونه ضده وضد الوطن ورموزه؟ وهل يمكن لهؤلاء أن يكونوا في مستوى الفرسان الستة الذين التزموا بقواعد اللعبة واحتكموا الى الصندوق وتركوا للشعب حرية الحكم والفصل والاختيار بعد أن عرضوا عليه برامجهم وقدموا له وعودهم؟ إن الديمقراطي الحقيقي هو من يقتنع بأن الشعب هو سيد في تقرير مصيره وحر في اختيار ما يناسبه من برنامج ورجل يقوده الى المستقبل الأفضل. فهل يتعظ أشباه الديمقراطيين ويتركون الشعب وشأنه ؟!!