لم تخطئ غالبية التوقعات التي أشارت إلى أن نسبة المشاركة خلال الاستحقاق الرئاسي ستكون قوية، فإقبال الجزائريين أمس على صناديق الاقتراع فاق كل التوقعات وتحول الموعد الانتخابي إلى عرس انتخابي أثبت فيه المواطن بأنه دائما في الموعد وينتظر فقط ما يساهم صناع القرار في تحسين وضعه الاجتماعي والمعيشي. بدا واضحا منذ الساعات الأولى من فتح مكاتب الاقتراع بأن الجزائريين سيكونون في الموعد، وقد كانوا فعلا في الموعد أمس لأن نسبة المشاركة بدأت تتصاعد مع مرور الساعات فبعد أن كانت في حدود 9 بالمائة عند الساعة العاشر والنصف صباحا ارتفعت ووصلت إلى أكثر من 29 بالمائة عند الواحدة زوالا، وسرعان ما ازدادت النسبة بشكل لافت في حدود الرابعة والنصف بعد الزوال عندما أشارت أرقام وزارة الداخلية إلى أن الرقم وصل إلى عتبة 50 بالمائة. ومعنى هذا أنه قبل حوالي ثلاث ساعات من غلق مكاتب الاقتراع والشروع في عملية الفرز فإن حوالي 10 ملايين جزائري أدوا واجبهم الانتخابي، وبمجرد إجراء مقارنة بسيطة مع رئاسيات 2004 فإن الأخيرة عرفت تصويت إجمالي ب 10 ملايين و496 ألف و83 ناخب أي بنسبة 58 بالمائة من الهيئة الناخبة آنذاك، في حين أنه في رئاسيات أمس وصل الرقم عند العصر إلى 9 ملايين و747 ألف و769 ناخب يضاف إليه 321 ألف و160 ناخب بالنسبة للجالية الجزائرية بالخارج أي بمجموع 10 ملايين و68 ألف و292 ناخب، وهو ما يمثل رقما يوق التوقعات بالنظر إلى أن كل الرهانات كانت قائمة على نسبة مقاطعة معتبرة. وقبل نصف ساعة من غلق مكاتب التصويت ظهر نور الدين يزيد زرهوني مرة أخرى على شاشة التلفزيون معلنا أن معدل المشاركة عند حدود الساعة السادسة مساء قد بلغ 62.18 بالمائة، وذلك باحتساب نسبة التصويت داخل الوطني التي بلغت 63.45 بالمائة مع نسبة تصويت الجالية الجزائرية بالخارج التي قدّرت ب 35.57 بالمائة، وهي النسبة التي ارتفعت بالنظر على قرار وزارة الداخلية تمديد مدة الانتخاب بساعة واحدة في عدد من الولايات التي عرفت ظروفا مناخية صعبة. وانطلاقا من كل هذه المعطيات فإن يمكن القول بأنه مهما كانت النتائج التي سيسفر عنها الصندوق ومهما كان الرئيس المقبل للجزائر، فإن الجزائريين كانوا في الموعد وقدموا درسا كبيرا في المواطنة وبرهنوا بأنهم قادرين على المساهمة بكل ما لديهم من أجل بلدهم، ولعل الصور التي شاهدناها أمس لخير دليل على هذا الاعتزاز بالانتماء وبأداء الواجب الانتخابي الذي تحوّل هذا الخميس إلى عرس وطني كبير وبهيج بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات ساهم فيه المواطنون الذين يطمحون ويتطلعون نحو الأحسن. ليس من السهل قراءة هذا الإقبال من باب أن المشاركة قوية وفقط، بل يجب الذهاب بعيدا في هذه المسألة لأن الجزائريين بقدر ما لبوا نداء الوطن بقدر ما قدموا إشارات قوية إلى أنهم لا يريدون الوعود الكاذبة ولا الالتزامات الزائفة، بقدر ما تحذوهم آمال كبير فيما هو قادم بعد التاسع أفريل.. إنهم يريدون أن يكون لهم رئيس يحقق آمالهم بعد أن هبوا لنصرته ومنحوه عربون ثقة، مثلما يريد الرئيس تماما أن يكون مدعوما بقوة من طرق الشعب، هذه هي المعادلة التي يمكن استخلاصها مما شاهدنا من هذه الهبة الشعبية. وبهذا فإن المسؤولية التي تنتظر الرئيس المقبل للجزائر أكبر بكثير مما يتصورها البعض لأن في يوم التاسع أفريل 2009 أدى المواطنون ما عليهم وزيادة وهم كلهم أمل في أن يروا رئيسهم يؤدي ما عليه وزيادة، والأكيد فإن التاريخ سيحكم على ما سيقدمه هذا الرئيس الذي نال ما طلب وما تمنى.