ترفع الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون، إحياء لليوم الوطني للشعر شعار "شغلنا الورى" وتحتفي من 16 إلى 18 أوت الجاري بجميل الكلم استحضارا لروح شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا الذي تتصادف الاحتفالية مع الذكرى الخامسة والأربعين لوفاته، عرفانا بدوره في إيصال صوت الثورة إلى العالم حيث حملت قصائده الشعرية قيم النضال والمقاومة والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي وإبراز الشخصية والهوية الوطنية. الاحتفالية التي يحتضنها قصر الثقافة "مفدي زكريا" تنظّم بالتعاون مع المؤسّسة التي تحمل اسم صاحب "إلياذة الجزائر"، وتتصادف مع ستينية استرجاع السيادة الوطنية، وتشمل قراءات شعرية وتكريمات وكذا ندوة حول "الثورة الجزائرية مصدر إلهام لشعراء العالم"، حيث أشار عبد العالي مزغيش رئيس الاتحادية الجزائرية للثقافة والفنون لوكالة الأنباء الجزائرية إلى برمجة سلسلة من القراءات الشعرية والمداخلات، وسيتميّز الافتتاح برفع الأستاذ أحمد وحيد صابر بورنان لوصلة موسيقية "إلى روح مفدي زكريا". كما تُكرّم "مؤّسسة مفدي زكريا" عرفانا بدورها في جمع الإنتاج النثري للشاعر والمتضمن دراساته ومحاضراته ومقالاته الصحفية والتعريف بإبداعه الشعري ونضاله ضد الاستعمار الفرنسي لدى الأجيال القادمة. ولأنّ الأجيال الشعرية متلاحقة ومتناغمة، ارتأت الاتحادية تكريم فرسان البيان آدم فتحي، حبيبة محمدي، منيرة سعدة خلخال، إضافة إلى المترجم الباحث محمد أرزقي فراد والشاعر الموريتاني الشيخ أبو شجة. على أن يعلن في اليوم الختامي من التظاهرة عن المتوّجين في المسابقة الشعرية "شيرين.. قصيدة". منارات وإنجازات أما الشق الأدبي من التظاهرة، فيتضمّن تنظيم ندوة يوم الأربعاء 17 أوت الحالي حول "الثورة الجزائرية مصدر إلهام لشعراء العالم" بقرية الفنانين بزرالدة، حيث يقدّم الأستاذ سعيد بن زرقة قراءة في كتاب "منارات في حياة مفدى زكريا"، ويستعرض الأستاذ جابر باعمارة "منجزات وتحديات مؤسسة مفدي زكريا"، أما الدكتور حبيب مونسي فيتحدّث عن "الثورة الجزائرية في الشعر العراقي"، على أن يتناول الدكتور عبد الحميد هيمة نبذة عن "الثورة الجزائرية في الشعر السعودي"، وتتطرق الدكتورة حورية خروبي لموضوع "الثورة الجزائرية في النص الشعري العربي". في نفس الندوة يقدّم الأستاذ جمال غلاب "الأبعاد السياسية والفنية للأغنية الثورية"، ويقترب الأستاذ سعيد بن زرقة من "الشعر الجزائري ورهانات الثورة الرقمية"، وتفتح الأستاذة وردة أركون نافذة على "جهود أوندا لتسجيل النشيد الوطني قسما"، فيما يقف الدكتور حمزة قريرة عند "آليات البناء وجماليات التلقي في الشعر الرقمي التفاعلي"، لتختتم الندوة بحديث عن "مكسب الثقافة الرقمية ورهانات الشعرية الجزائرية" مع الدكتورة آمنة بلعلى، وإبراز "الشعر المسرحي الجزائري وأسئلة المسرح الشعري" مع الدكتور احسن تليلاني. من رحم الجزائر الصامدة المحتفى به اتخذ من الشعر جسرا لمعانقة أديم السماء في "اللهب المقدس"، وأنشد "من وحي الأطلسي"، وتحدث من "تحت ظلال الزيتون"، وكان من أعظم الشعراء الذين ولدوا من رحم الجزائر الصامدة. هو شاعر التحرّر مفدي زكريا، الذي واكب شعره بحماسة الواقع الجزائري والمغاربي. ولد الشاعر مفدي زكريا يوم الجمعة 12 جمادى الأولى 1326 هجري، الموافق ل12 جوان 1908 ميلادي، في بني يزفن ولاية غرداية، لقبَه زميل دراسته الفرقد سليمان بوجناح ب"مُفدي"، فأصبح لقبه الأدبي الذي اشتهر به، تلقى تعليمه الأولي في بلدته، وتلقى دروسه الأولى في القرآن ومبادئ اللغة العربية، بدأ تعليمه الأول بمدينة عنابة، حيث كان والده يمارس التجارة بالمدينة، ثم التحق بالبعثة الميزابية بتونس، فواصل دراسته هناك، وبدأ يكتب الشعر، ونشر أول قصيدة له وهي "إلى الريفيين" في جريدة "لسان الشعب" التونسية بتاريخ 6 ماي 1925، ثم نُشرت في جريدة "الصواب" التونسية، فجريدتي "اللواء" و"الأخبار" المصريتين، وتعلم بالمدرسة "الخلدونية"، ومدرسة "العطارين"، كما درس في جامعة "الزيتونة" في تونس ونال شهادتها. انضم إلى صفوف جبهة التحرير الوطني الجزائري، سجنته فرنسا خمس مرات، ابتداء من العام 1937م، وفر من السجن عام 1959م، ساهم مساهمة فعالة في النشاط الأدبي والسياسي في كامل أوطان المغرب العربي، وعمل أمينا عاما لحزب الشعب، ورئيس تحرير صحيفة "الشعب" سنة 1937م. شاعر التحرر واكب شعر مفدي زكريا بحماسة الواقع الجزائري، بل الواقع في المغرب العربي في كل مراحل الكفاح منذ سنة 1925م إلى سنة 1977م، حيث ساير الحركة الوطنية في شعره على مستوى المغرب العربي، داعيا إلى الوحدة بين أقطارها، ألهب الحماس بقصائده الوطنية التي تحث على الثورة والجهاد حتى لقب ب"شاعر الثورة الجزائرية"، وهو صاحب نشيد الثورة الجزائرية والنشيد الوطني الجزائري المعروف "قسما". أثناء تواجده بتونس واختلاطه بالأوساط الطلابية هناك، تطورت علاقة مفدي زكريا بأبي اليقضان وبالشاعر رمضان حمود، وبعد عودته إلى الجزائر، أصبح عضوا نشطا في جمعية طلبة مسلمي شمال إفريقيا المناهضة لسياسة الإدماج، إلى جانب ميوله إلى حركة الإصلاح التي تمثلها جمعية العلماء، وانخرط مفدي زكريا في حزب نجم شمال إفريقيا، ثم حزب الشعب الجزائري وكتب نشيد الحزب الرسمي "فداء الجزائر". اعتقل من طرف السلطات الفرنسية في أوت 1937 رفقة مصالي الحاج، وأطلق سراحه سنة 1939، ليؤسس رفقة باقي المناضلين جريدة "الشعب" لسان حال حزب الشعب، اعتقل عدة مرات في فيفري 1940 (6 أشهر)، ثم في 08 ماي 1945 (3 سنوات). وبعد خروجه من السجن، انخرط في صفوف حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، وانضم إلى الثورة التحريرية في 1955، وعرف الاعتقال مجددا في أفريل 1956. سجن مفدي زكريا بسجن بربروس (سركاجي حاليا) مدة 3 سنوات، وبعد خروجه من السجن، فر إلى المغرب، ثم إلى تونس، حيث ساهم في تحرير جريدة "المجاهد" إلى غاية الاستقلال، وكان مستقره في المغرب، خاصة في سنوات حياته الأخيرة، وتوفي في تونس يوم الأربعاء 2 رمضان 1397ه الموافق ل17 أوت 1977، ونُقل جثمانه إلى الجزائر ليدفن بمسقط رأسه ببني يزفن. ألف بيت وبيت من أهم إنجازات مفدي زكريا في مجال الشعر؛ ديوان "اللهب المقدَس 1961"، "تحت ظلال الزيتون 1966"، "من وحي الأطلسي 1976، و"إلياذة الجزائر" في ألف بيت وبيت عام 1972، وإلى جانب شعر كثير متفرق في الصحافة الجزائريةوالتونسية والمغربية، ودواوين معدة للطبع (أو طُبعت بعد ذلك منها: "أهازيج الزحف المقدس" "أغاني الشعب الجزائري الثائر بلغة الشعب"، و"انطلاقة" (ديوان المعركة السياسية في الجزائر من عام 1935 إلى 1954)، و"الخافق المعذب" من شعر الهوى والشباب، ومحاولات الطفولة التي كتبها الشاعر في صباه، كما كتب مفدي زكريا أيضا الأناشيد الوطنية، ومنها النشيد الوطني الجزائري "قسما"، ونشيد العلم الجزائري، ونشيد جيش التحرير الوطني، ونشيد المرأة الجزائرية، وغيرها من الأناشيد.. كتب مفدي زكريا أيضا النثر، واهتم بتاريخ الصحافة الجزائرية، كما كتب مسرحية بعنوان "الثورة الكبرى"، واشترك مع الأديب التونسي الهادي العبيدي في تأليف كتاب "الأدب العربي في الجزائر عبر التاريخ" (أربعة أجزاء)، وفي كتاب "أنتم الناس أيها الشعراء"، كما شارك الأديب التونسي الحبيب شيبوب في تأليف كتاب "صلة الرحم الفكرية بين أقطار المغرب العربي الكبير"، وبمشاركة المؤرخ التونسي محمد الصالح المهيدي، كتب عن "أقطاب الفكر المغربي على الصعيد العالمي"، وغيرها من الأعمال المشتركة. من أعماله النثرية الأخرى "نحو مجتمع أفضل"، "ست سنوات في سجون فرنسا"، "حواء المغرب العربي الكبير في معركة التحرير"، "قاموس المغرب العربي الكبير" (في اللهجات المغربية)، "عوائق انبعاث القصة العربية، "قصة اليتيم في يوم العيد"، و"الجزائر بين الماضي والحاضر"، وغيرها. ولجهوده الكبيرة في مجالات الفكر والأدب والنضال الوطني، منحه عاهل المملكة المغربية محمد الخامس عام 1961، وسام "الكفاءة الفكرية من الدرجة الأولى"، ومنحه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة وسام الاستقلال ووسام الاستحقاق الثقافي، ومنحه الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد في العام 1984 بعد رحليه "وسام المقاوم"، كما مُنِحَ اسمُه وسام الأثير من مصف الاستحقاق الوطني من الر"ئيس الأسبق الراحل عبد العزيز بوتفليقة في 4 جويلية 1999.