انتهى الدكتور مولود عويمر، مؤخرا، من تأليف كتابه الجديد "علي مراد بين ضفتين" ضمن سلسلة أعلام الجزائر الصادرة عن دار "الوطن اليوم" للنشر والتوزيع. ويتناول بالدراسة والتحليل أبرز المحطات في حياته العامرة، وكذلك أهم القضايا التاريخية والفكرية المعاصرة والراهنة التي شغلت اهتماماته. الدكتور علي مراد (الأغواط 1930- ليون 2017) كان أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي المعاصر في جامعتي ليون وباريس 3، صدرت له العديد من الأبحاث القيمة والكتب النفيسة في هذا المجال المعرفي، وكان رحمه الله شخصية رئيسية في الدراسات الإسلامية ورائدة في الحوار الإسلامي المسيحي في فرنسا، مع رحيله اختفى عالم رائد مشرف ليس فقط لوطنه الجزائر أو فرنسا بل للمجتمع الأكاديمي الدولي بأسره. عرف الدكتور علي مراد بمقالاته في مجلة "الشاب المسلم" التي كانت تصدرها جمعية العلماء المسلمين في بداية خمسينيات القرن الماضي وجمعها المركز الثقافي الإسلامي "علي بومنجل" بالجزائر العاصمة في مجلدين قبل طبعهما في لبنان طبعة راقية فاخرة من طرف دار الغرب الإسلامي. ويذكر الكاتب أنّ "المعاهد الاستشراقية المعروفة في الغرب لم تكن ليديرها فقط المستشرقون الأوروبيون، وإنما ثمة مراكز وأقسام للدراسات الشرقية أخرى أسّسها علماء عرب أو مسلمون في رحاب الجامعات الأوروبية والأمريكية، وأشرفوا فيها على تكوين أجيال من المستشرقين الأوروبيين والباحثين العرب المختصين في مجال الدراسات العربية والإسلامية. والدكتور علي مرّاد يعتبر من أكبر المختصين في الفكر الإصلاحي المعاصر، كما خصّص كتبا ودراسات ومقالات لروّاد الإصلاح في العالم الإسلامي أمثال محمد عبده ومحمد إقبال وأبو الأعلى المودودي وغيرهم. غير أنّه اعتبر الشيخ عبد الحميد بن باديس أعظم من كل هذه الشخصيات المرموقة، إذ قال عنه الدكتور علي مراد "لا يوجد شخص آخر مثل الإمام عبد الحميد بن باديس جسّد أصالة وعالمية الرسالة الإسلامية، لا أحد مثله أيضا استطاع أن يذكي بمثل هذه الطاقة الجمة العديد من الآمال بالتطور والتكيف مع الأزمة الحديثة". نال الدكتور علي مراد في باريس شهادة التبريز في سنة 1956 وشهادة دكتوراه الدولة في الآداب في سنة 1968 بعد أن قدم أطروحة الحركة الإصلاحية في الجزائر بين 1925 و1940. وأسّس في عام 1974 المعهد الجامعي للدراسات العربية والإسلامية في ليون، بعدها أصبح مسؤولا عن تدريب الدكاترة في الدراسات العربية والإسلامية في جامعة جان مولان بمدينة ليون ثم السوربون، بعد ذلك خولت له شهرته العلمية رئاسة معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة باريس الجديدة. وتفرّغ بعد ذلك للتدريس والبحث في مجال التاريخ والدراسات الإسلامية، وقد أثمرت كل هذه الجهود فكوّن أجيالا من المختصين في تاريخ العالم الإسلامي وآدابه، وألف عددا من الكتب والبحوث النفيسة منها "الحركة الإصلاحية في الجزائر بين 1925 و1940"، "ابن باديس مفسرًا للقرآن"، "نور على نور"، "صفحات من الإسلام"، "مدخل إلى الفكر الإسلامي"، "الإسلام المعاصر"، "السنة النبوية"، "شارل دو فوكو في نظر الإسلام"، "الإسلام والمسيحية في حوار"، "الإمبراطورية العثمانية وأوروبا من خلال أفكار وذكريات السلطان عبد الحميد الثاني"، "الخلافة، سلطة للإسلام؟". اهتم علي مرّاد مبكرًا بتاريخ أرض أجداده الجزائر سواء في العصور القديمة أو في الفترة المعاصرة، فنشر أوّل بحوثه العلمية في مجلة حوليات معهد الدراسات الشرقية (الجزائر) في عام 1957. من مؤلفات الدكتور علي مَرّاد "الإسلام المعاصر" الذي عرف رواجًا كبيرًا وأعيد طبعه مرات عديدة، وترجم إلى عدة لغات كالإنجليزية والعربية والتركية والإسبانية واليونانية والرومانية والسويدية، وكتابه "الحركة الإصلاحية في الجزائر بين 1925 و1940" الذي يعدّ مرجعًا مهمًا في تاريخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ولم يقتصر الدكتور مرّاد على دراسة الجزائر في فترة الاحتلال بل درس قضايا لها صلة بالدولة الجزائرية المستقلة، فبيّن على سبيل المثال لا الحصر مكانة الإسلام في تشريعاتها المختلفة انطلاقا من الدستور الجزائري الذي اعتبر الإسلام دين الدولة. غادر الدكتور علي مراد الجزائر في بداية السبعينيات من القرن الماضي ليستقر نهائيا في فرنسا لأكثر من 46 سنة، غير أنه بقي على صلة بوطنه، فكان يزور الجزائر خاصة في فترة الثمانينات للمشاركة في النشاطات الفكرية والعلمية، منها مساهماته في أعمال الملتقيات للفكر الإسلامي التي كانت تنظمها كل عام وزارة الشؤون الدينية.