تجلس الدار الحمراء متربعة وسط ساحة الشهداء بالعاصمة، تطل على حاضر المدينة وفي عينها صور الماضي الذي عاشته مع سيدها الداي حسين. فالدار وبعد التنكيلات التي سببها لها الاحتلال عبر 132 سنة، هاهي اليوم تتنفس هواء صحيا لتصبح قلعة علمية وسياحية وتاريخية بشهادة منظمة اليونسكو. تجولت "المساء" في زوايا هذا القصر وفناءاته لتتنسم التاريخ الممزوج بهواء البحر قبالة "قاع السور" تعرف "الدار الحمراء" باسم "دار مامي أميوت" وتتواجد بزنقة "عين الحمراء" وكان يطلق على هذا المكان اسم "صباط سيدي الفاسي" أثناء الفترة العثمانية، وطريق "فيليب" أثناء الاحتلال الفرنسي، وتحمل اليوم اسم "الشهيد محمد بوراس". يرجع تاريخ البناية إلى سنة 1818 بأمر من الداي حسين، واختارها ملجأ له أثناء الاستيلاء الفرنسي على القصبة يوم 9 جويلية 1830 قبل أن يغادر الجزائر. كانت طريق الدار مغطاة كما يدل عليها اسمها بصباط ثم هدم مع ما كان يحمله من الدار لأن غرف الطابق العلوي حتى السطح غير موجودة، إذ تجد على الواجهة 3 نوافذ بكل دور تطل مباشرة على الطريق. في حديثه مع "المساء" أشار السيد حدادي مراد مساعد مدير الدار الحمراء إلى أنها تراث محمي من طرف منظمة "اليونسكو"، وهي مفتوحة للجمهور طوال أيام الاسبوع، وأشار أيضا إلى أن الدار تعرضت سنة 1860 إلى تعديلات وإلى هدم جانب كبير منها من طرف الاحتلال، لتحل محله بناءات أروبية ، والدار مكونة من 3 قصور، بها مدخل ثم وسط الدار والسطح وغيرها، وهي مصممة وفق العمارة العثمانية الإسلامية، لذلك نجد مثلا السطح عال جدا كي لا يشاهد المارة حريم الداي عند خروجهن إلى السطح والاستمتاع بالشمس والبحر. من جهة أخرى ذكر الأستاذ حدادي أن الدار كانت مركزا لتعذيب المجاهدين إبان الفترة الاستعمارية، وقد دفنت فيها جثثهم، لذلك تدور إشاعات بأن الدار مسكونة بأرواح هؤلاء الشهداء، فلم يحاول أحدا التجرؤ على الإقامة فيها حتى بعد الاستقلال. يتميز مدخل البناية بوجود أقواس على شكل عقد دائري مرتكز على 4 أعمدة، ويؤدي المدخل إلى السقيفة التي تؤدي بدورها إلى سقيفة ثانية مزينة بمقاعد على الجانبين تعلوها أعمدة، ومن هذه السقيفة يعرج سلم إلى الطابق الأول أو السفلي الذي كان يستعمله الجيش الانكشاري، وجزء منه مخصص للخدم. أما "وسط الدار" بالطابق الأول فهو مبلط بالرخام الأبيض ومزين بأعمدة ملتوية وأقواس، وتزينه على مستوى الجدران مربعات من الخزف الملون، غرف القصر تزينها مربعات من الزليج، وهي مزخرفة بالجص على مستوى الأقواس وأعلى الجدران، كما يزينها سقف خشبي مزخرف بأشكال هندسية ونباتية مختلفة، ومطلي بألوان ذهبية، إلى جانب اللون الأخضر والأحمر. أما الديوان الواقع في الطابق الثاني، فهو تحفة في حد ذاته وهو اليوم عبارة عن قاعة اجتماعات حرص السيد حدادي على الحديث عنه، وقد رافق أحد الموظفين "المساء" إليه لنقرأ في أعلى جدرانه بعض الأبيات الشعرية منها: "العز والهنا وبلوغ المنى - - العز والانشراح بالمساء والصباح" وأيضا "الدار من قد زارها فرحت - - واستبشرت ثم باست موضع القدم وأعلنت بلسان حالي قائلة - - أهلا وسهلا بأهل الجود والكرم" "المنزه"، في الطابق العلوي وهو غرفة مفتوحة مكونة من 3 أقواس تؤدي مباشرة إلى السطح خالية من الزخارف، والملفت للزائر هو الإضافات التي أدخلت عليها في عهد الاحتلال خاصة في إقامة المواقد بالرخام الأبيض تتوسط الغرف مما شوه المنظر. ما يميز هذا الموقع الأثري أبوابه التي بقيت على حالها، إضافة إلى وجود الأبواب المزدوجة للغرف أي باب من زجاج وخشب ثم باب خشبي منقوش. السطح له رونقه بنسيمه البحري العليل، وبه باب يؤدي إلى سطح أصغر وأعلى، والناظر منه يطل على وسط العاصمة والواجهة البحرية، وعلى باقي المواقع الأثرية منها "حصن 23" و"مسجد علي بتشين" وتبدو القصبة وكأنها فوقه مباشرة. "الدار الحمراء" مقر للمركز الوطني للبحث في علم الآثار منذ سنة 2005، ويشرف على إنجاز برامج البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في ميادين علم الآثار وهو مكلف بالبحث في تاريخ الجزائر والمغرب العربي وشمال إفريقيا عبر كل الفترات والحقب، ويقوم هذا المركز حاليا بإعداد ورسم الخرائط والأطلس الأثري وإعداد بنك معلوماتي خاص. على الرغم من كل ما مر بها تبقى "الدار الحمراء" قلعة تحكي تاريخا حاول المستعمر إخماد صوته بالتزييف والتدمير، ويقصدها اليوم الكثير من الزوار سعيا منهم للاطلاع على تاريخهم.