"النقطة..المداد..الخط.. بين الظاهر والباطن" هو عنوان المائدة المستديرة التي نظمتها مؤسسة "دار السلام" بالقصبة، أول أمس، ونشطها الدكتوران عصام طوالبي الثعالبي وعبد القادر جلجال، وأدارها الدكتور مصطفى راجعي. بالمناسبة، قدّم رئيس جمعية "سيدي عبد الرحمن الثعالبي لترقية التراث" الدكتور عصام طوالبي، مداخلة موسومة ب "من مواقف الأمير عبد القادر إلى كتاب الأنموذج الفريد للشيخ العلاوي، علم تأويل الحروف في التراث الروحي للإسلام". وتحدّث الأستاذ عن أهمية علم الحروف في الشريعة والتراث الإسلامي، وكذا عن وجود حروف مقتطعة، تمثل فواتح السور في القرآن؛ مثل "ألم" التي قيل إن فيها سر الله في القرآن. وقيل أيضا إنها من أسماء الله، وإن كل حرف منها يضم عددا، مضيفا أن هذا العلم اهتم به العلماء، ومن بينهم الأمير عبد القادر، والشيخ العلاوي. وذكر طوالبي أن الأمير عبد القادر اهتم بعلم الحروف؛ حتى يكون اسم والده محيي الدين هو نفس اسم شيخه ابن العربي، مضيفا أن ابن العربي اهتم كثيرا بهذا العلم الذي لا نجده في الكتب؛ فهو ليس علما منقولا، بل لا يتعرف عليه إلا أهل الكشف في الطريقة الصوفية من خلال الخلوة والذكر، ومؤكدا في السياق نفسه، ضرورة الحذر من الانحراف عن هذا العلم الذي اختص به الله أولياءه. وتابع أن ابن العربي اعتبر الحروف في حد ذاتها، أمة من الأمم، وحينما تتعرض للمحو فإن أرواحها تنتقل الى البرزخ. وبالمقابل، ذكر تقسيم الأمير عبد القادر الأحرف إلى ثمانية أقسام، وهي: الحسية، واللفظية، والخيالية، والمعنوية، والصورية، والروحانية، والعالية والحقيقية. وتحدّث المتدخل عن علاقة الحبر بالحرف والنقطة، فقال إن النقطة تمثل أول حركة على اللوحة، مستشهدا بقول ابن العربي: "أصل الكون نقطة"، بينما تطرق لبعض فحوى كتاب الشيخ العلاوي الشهير "الأنموذج الفريد" في 25 فيفري 1926، الذي خطه بدافع شخصي وآخر علمي، مستخرجا بذلك هذا العلم المنسي إلى النور، ومع ذلك فقد قال الشيخ إنه "رمية من غير رام" . وأضاف الدكتور أن كتاب العلاوي ينقسم إلى ثلاثة محاور، وهي "النقطة، والألف، والباء"، وأن النقطة تشير إلى غيب الذات المقدسة؛ أي قبل وجود كل موجود. وقد تجلت بالألف أول ما خلقه الله. أما الباء فهي الروح الأول. وتابع مجددا أن النقطة هي البداية، وبها كُتبت الحروف. كما إنها لا تُقرأ، وهي في كل حرف، وقد لا تظهر، لكنها موجودة مثل وجود الله تعالى في كل شيء، ليدعو إلى قبول كل الحروف حتى تلك المعوجة منها؛ مثل حرف الشين؛ لأننا نحتاج إليها جميعا، ومنها نتعلم قبول كل مخلوقات الله مهما كانت مختلفة. من جهته، قدّم الدكتور عبد القادر جلجال مداخلة تحت عنوان "حروف السلام، قراءة في كتاب النقطة أو (الأنموذج الفريد المشير لخالص التوحيد) للشيخ أحمد بن مصطفى العلاوي المستغانمي". وأكد جلجال ضرورة فهم فلسفة ابن العربي لفهم كتاب الشيخ العلاوي؛ باعتبار أن الأول شيخ الثاني. وقد اقترح ابن العربي في علمه، نظرية التجلي، وهي أعلى مرتبة الذات الإلهية؛ أي الغيب المطلق، بالإضافة إلى محبة الله في رؤية ذاته في أمور مغايرة، فخلق الخلق. وأضاف أن ابن العربي ذكر بأن أول مرتبة بعد الله، هي الألوهة، وأن الله تجلى في ألوهيته بمجموع صفاته وأسمائه؛ أي أن الواحدية تقابلها الأحادية، وأن الكثرة داخل الوحدة، وأن ما يتجلى في صفات الله وأسمائه يتحقق بوجود العالم الخارجي، مؤكدا: "لولا هذا الحب الإلهي لما وجدت الموجودات التي نشأت من النفخ الالهي"، كما أن العلاقة بين الله وموجوداته علاقة حب بالأساس. وتحدّث الدكتور عن اشتراك النقطة مع الذات الإلهية في أنهما غير قابلين للتعريف، وأن النقطة هي الوحيدة التي لا مخرج لها عكس الحروف، كما لا يمثلها أو يشبهها أي حرف. واعتبر أن الذات الإلهية لا شبيه لها، وتسري في كل المخلوقات؛ مثل النقطة موجودة في كل الحروف، لكنها مختلفة عنها. أما الألف فقال عنها الدكتور إنها تقابل التجلي للذات الإلهية، وأنها تقابل أيضا الألوهة، في حين أن الباء مبهمة، ليعود إلى الألف التي ذكر أنها مستخرجة من النقطة، وأنها موجودة في كل الحروف حتى حينما لا تظهر بشكل واضح، وأن أقرب الحروف إليها الباء، مثلما أقرب المخلوقات عند الله، الإنسان الواصل إليه.