مدينة سدراتة الأثرية التي تقع أطلالها على بعد نحو 10 كلم جنوب غرب مدينة ورقلة، واحدة من المعالم التاريخية التي تظلّ في حاجة إلى تثمين من أجل حمايتها، والمحافظة عليها من الأخطار الطبيعية والبشرية، بما يساهم في ترقية السياحة الثقافية بالمنطقة. يرى مهتمون بالتراث الثقافي بالمنطقة أن هذا الموقع الأثري بات، اليوم، أكثر عرضة لمختلف الأخطار التي قد تؤدي مع مرور الوقت، إلى تعميق عوامل اندثاره؛ حيث تتعدد أشكال التهديد التي تتعرض لها مدينة سدراتة الأثرية بدءا من الأخطار الطبيعية، خاصة منها الأمطار والزوابع الرملية، وانتهاء بالأخطار البشرية. وفي هذا الصدد، أبرز الجامعي عبد الحق بالنور، أستاذ مادة التاريخ بجامعة الشهيد "حمة الأخضر" بالوادي خلال تدخله في لقاء نُظم مؤخرا بورقلة حول "أهمية تثمين التراث المعماري لكلّ من القصر العتيق ومدينة سدراتة الأثرية"، بعض أنواع الأخطار التي تهدّد هذا الموقع الأثري، والناجمة، حسبه، عن السلوكات السلبية للإنسان، والتي تتمثل، بالخصوص، في التلوث البيئي عبر الرمي العشوائي للنفايات وبقايا مواد البناء، إلى جانب أعمال التخريب، والاستحواذ على العقار بالمحيط المحاذي للموقع. ويرى بالنور أن هذه التصرفات تشكّل "تعديا واضحا" على هذا الموقع الأثري. وهي تتعارض مع القرار الصادر في 23 جانفي 1968 الذي يصنّف مدينة سدراتة ضمن المعالم الأثرية الوطنية التي يتوجب حمايتها. كما يرى أن من الضروري تفعيل الآليات القانونية المتعلقة بالمحافظة على هذا الموقع الأثري، مع التركيز على أنشطة التحسيس والتوعية بأهميته التاريخية والثقافية، إلى جانب القيام بتدخلات وقائية، سيما منها إنشاء أحزمة خضراء، واستحداث غطاء نباتي لوقف زحف الرمال، وذلك بإشراك مختلف الأطراف والقطاعات المعنية. وضمن نفس التوجّه تقترح، من جهتها، جمعية سدراتة المحلية اتّخاذ إجراءات على المدى القريب، من بينها تسييج الموقع لحمايته من مختلف العوامل السلبية، وتسجيل دراسة، يتم من خلالها إعداد مخطط يحدد شروط التدخل بنفس الموقع. ومن بين اقتراحاتها أيضا إنجاز حظيرة أثرية ثقافية، هدفها تحقيق المحافظة على ما هو موجود من أطلال، مع إنشاء نقاط لاستقبال الزوار، وأيضا للسماح بمراقبة المناطق المحمية والمهددة بعمليات التوسع، إلى جانب إعادة بعث الحفريات التي كان خضع لها هذا الموقع على مدار فترات زمنية سابقة، كان لها الفضل في إبراز الرصيد المعماري الذي تمتاز به هذه المدينة الأثرية. واستفاد هذا الموقع الأثري في وقت مضى، من عمليتين في إطار الصندوق الخاص بتنمية مناطق الجنوب بعد تخصيص دعم مالي لإعادة تهيئته. ويتعلّق الأمر بإنجاز طريق يؤدي إلى الموقع، وحفر بئر مائية. وكان نفس الموقع شهد منذ القرن 19 عدة حفريات كان هدفها الكشف عما يكتنزه من معالم أثرية مطمورة، إلاّ أن هذه الحفريات قد توقفت؛ ما حال دون اكتشاف مزيد من معالم مدينة سدراتة التي دفنتها الرمال. ووفقا لمصادر تاريخية فإن أبرز تلك الحفريات جرت في سنوات 1881 و1942 و1952 و1977 و1997، وهي حفريات ساهمت في اكتشاف بعض معالم الموقع، التي من أهمها المسجد، الذي هو عبارة عن قاعة مربعة الشكل مغطاة بحوالي عشرين قبوا تقوم على 16 دعامة، إلى جانب اكتشاف بيوت مدينة سدراتة، التي كانت واسعة، ومربعة الشكل. وتُعد الأروقة في البيت السدراتي المطلة على الفناء من بين الأماكن التي تميز التصميم المعماري للبيوت الصحراوية القديمة؛ حيث يجتمع أفراد الأسرة في أوقات الحر. كما تُستغل في القيام بكافة الأغراض المنزلية. وقد شُيّدت مدينة سدراتة التي تمتد على مساحة إجمالية قوامها 2 كلم مربع، في القرن العاشر الميلادي. وتُعدّ مدينة مطمورة تقبع تحت الرمال.