ترتكز السياسة الخارجية للجزائر منذ الاستقلال، على مبادئ الحوار والحلول السلمية في تسوية الأزمات بعيدا عن التوتر وإثارة الضغائن، ما جعل كافة القوى الدولية تصفها بالدبلوماسية الحكيمة التي تتجنب الصدامات بين الأطراف المتنازعة، لوقوفها على مسافة واحدة مع مختلف الأطراف، حيث يزخر رصيدها الدبلوماسي في هذا الصدد بالكثير من الانجازات التي أضحت مرجعا في تسوية النزاعات الدولية. يشهد القاصي قبل الداني أن الدبلوماسية الجزائرية بقيت وفيّة للمبادئ التي قامت عليها منذ الثورة التحريرية، وهو ما تضمنه بيان أول نوفمبر، الذي يدعم احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية كمبدأ مقدّس لا يجب الحياد عنه. وكثيرا ما أعطت الدبلوماسية الجزائرية دروسا في هذا المجال سواء على المستوى الاقليمي أو الدولي، ما عزز من مصداقيتها في التعاطي مع مختلف القضايا، ولعل المكاسب التي حققتها على مستوى مجلس الأمن، ومرافعتها من أجل السلم والأمن عبر العالم لدليل على رؤيتها الموضوعية والصائبة التي تحظى بالكثير من الاحترام والتقدير. ومن خلال مواقفها الثابتة والمدروسة، مازالت الجزائر عنصرا أساسيا في الأممالمتحدة، ما جعل هذه المؤسسة الدولية تنصت لها باهتمام في سياق سعيها للحفاظ على دورها كضامن للاستقرار العالمي. كما أن الانجازات التاريخية التي حققتها على مستوى القارة الإفريقية وبالخصوص منطقة الساحل بالنظر إلى تجربتها الرائدة في مكافحة الإرهاب، جعلها مفتاحا أساسيا في حل النزاعات، حيث تحرص القوى الدولية على إشراكها في حل مختلف النزاعات من أجل الاستفادة من تجربتها، في الوقت الذي لم تبخل فيه الجزائر في تقديم اقتراحاتها ومبادراتها من أجل إرساء دعائم الأمن والسلم في المنطقة. فرغم التعقيدات التي تعيشها المنطقة التي تعرف وضعا هشا بسبب تعدد الأجندات الأجنبية التي تشوش على الجهود السلمية، من خلال تشجيع الجريمة المنظمة و ظاهرة تبييض الأموال التي تنجر عن عمليات المتاجرة بالمخدرات من قبل شبكات تنشط انطلاقا من المغرب وفق التقارير الأمنية، إلا أن الدبلوماسية الجزائرية تعمل بشكل مواز من أجل استقطاب القوى الفاعلة في المنطقة من أجل تبنّي النهج السلمي وفق رؤية شاملة تدرج محاربة كل هذه الآفات موازاة مع تشجيع التنمية لصالح شعوب الساحل الصحراوي. فكل هذه المعطيات جعلت من الجزائر صوت حكمة يجدر الإنصات له بامتياز، بفضل ما تقدمه من مقترحات ناضجة ورؤية حيادية في مجال اتخاذ قرار فعالة، خاصة وأنها تعد من الأصوات المهمة ضمن حركة بلدان عدم الانحياز والقارة الإفريقية وبلدان الجنوب، فضلا عن حرصها على الحفاظ على سيادة الدول والحقوق المشروعة للشعوب. وأثبتت قراءتها للأزمات السياسية والأمنية موثوقيتها. ويكفي أن نذكّر في هذا الصدد بتحذيراتها بخصوص الأوضاع في الساحل، مشددة على ضرورة تفادي أي تدخل عسكري خارجي والذي ستكون له بالتأكيد نتائج وخيمة على منطقة الساحل، حيث كثفت من جهودها في إطار لجنة الأركان العملياتية المشتركة لدول المنطقة والتي تضم الجزائر ومالي وموريتانيا والنيجر لرصد الآفات التي تعكر صفو المنطقة. وحرصت الجزائر على احتضان اجتماعات اللجنة لتقييم الوضع الأمني بالساحل الصحراوي، من خلال تبادل المعلومات والتحليلات من أجل وضع تقرير شامل للأنشطة والإجراءات المتخذة لتحقيق استراتيجية مشتركة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. وبذلك يتبين أن تحركات الدبلوماسية الجزائرية، ترتكز أساسا على استباق الحلول السلمية في تسوية النزاعات، كما أنها تعد مكملة لجهود محاربة الآفات وفق نظرة شمولية تأخذ في الحسبان مصالح الشعوب عبر توفير ظروف العيش الكريم بعيدا عن النعرات التي من شأنها إدامة الأزمات.