وظّف الأدب الجزائري الأسطورة بما فيها من الرمزية والدلالات، لإثراء المعاني والصور لتقديم التجربة الإنسانية ذات الحكايا والأحداث الواقعية منها والخيالية، مع حضور لجماليات الرمز الأسطوري في عملية الإبداع، وهو الأمر الذي انتهجه الروائي المعروف حبيب طنغور الذي جعل من التراث ركيزة فكرية وجمالية في نصوصه، كما أنّ توظيف الأسطورة كسر لجمود السرد التقليدي. التقى جمهور "سيلا"، أوّل أمس، بفضاء إفريقيا بالكاتب حبيب طنغور والباحثة والناقدة، نجاة خدة، لإثارة إشكالية حضور الأسطورة في الرواية وفي الأدب بشكل عام، ضمن نشاط "كُتّاب في حوار"، حيث أشارت البروفيسور خدة إلى أنّ الرواية والشعر وظّفا الأساطير بشكل جمالي ملفت، مؤكّدة أنّ الأسطورة جزء من الثقافة الشعبية الشفوية، وهي لغة، خاصة في الشعر، تتميّز بتناغمها الموسيقي. استعرض طنغور في هذا اللقاء أعماله الأولى، بعضها وظّف فيها الأساطير ومما ذكر روايته "شيخ الجبل"، ومثلما هو الحال بالنسبة للكثير من أبناء جيله من الروائيين والشعراء، فقد كانت الهوية والثقافة الجزائرية مفعّلة في كلّ إبداع، متحدّثا أيضا عن بعض الانتقادات التي لاقاها خاصة من طلبته الذين درسوا عنده بجامعة قسنطينة في الثمانينيات سائلينه عن بعض الجرأة في تناول بعض المسائل أو الألفاظ وغيرها، وكان يرد مبتسما "أمي أمية لا تقرأ ولا تكتب ووالدي المتعلّم المثقف ابن مستغانم متوفى فعلى ماذا أخجل"، والحقيقة أنّه في تلك الفترة، كما قال، لم تكن تلك الرقابة الصارمة التي تحدّ من هذا الإبداع. قال الكاتب إنّ الأسطورة نتاج إبداع جماعي وقد ترسّخت في الأدب الجزائري خاصة عند الأسماء الكبيرة مثل محمد ديب وكاتب ياسين وغيرهما محذّرا من الأسطورة الإيديولوجية التي لا تعدو دعاية، كما وصف مثلا السيرة الهلالية وحيزية والمغازي بأحداث حقيقية وواقعية تاريخيا، والأسطورة فيها تمسّ بعض شخصياتها مثل دياب وجازية وأبو زيد الهلالي. أكّد طنغور أنّه أُتُّهم بكونه كاتبا غامضا مبهما، وهذه الإشاعة لاحقته، إلاّ أنّ السيدة نجاة خدة صحّحت، حسبه، هذه الصورة المغلوطة، موضّحا أنّ العمل على الأسطورة هو من أجل إسقاطها على الراهن المعيش. استعرض المتحدّث تجارب أخرى في هذا المنحى منها رواية "سمرقند" لأمين معلوف، التي جاءت بعد روايته "شيخ الجبل" بسنة كذلك رواية "شيخ الجبل" الإيرانية، موضّحا أنّه حرص أكثر على اختيار الكلمات وإيقاع الجمل، ومتوقّفا عند التراث العربي منه المقامة التي أثّرت في الأدب الإسباني مثلا. تطرقّت السيدة نجاة خدة لاشتغالها على أعمال حبيب طنغور، وقبله على أعمال محمد ديب وكاتب ياسين، وغيرهما من جيل الروّاد، وتزامنت كتاباتهم مع بروز الحركة الوطنية (منذ تأسيس حزب نجم شمال إفريقيا)، وبالتالي تعزّز الأدب بأفكار الهوية الجزائرية المستقلة عن تلك الفرنسية، وبعد الاستقلال ظهر إشكال آخر متعلّق باللغة مفاده هل الأدب المكتوب بالفرنسية هو أدب وطني؟. كرّرت الأكاديمية السيدة خدة مرارا أنّ الأدب يطرح إشكاليات ولا يقدّم أجوبة، كما أنّ هذا الأدب لا يقرأ كما يقرأ التاريخ أو مقال صحفي ما، وبالتالي لا يخضع لنفس التقييم، وأنّ الأدب سؤال دائم مفتوح لزحزحة الأحكام المسبقة، مضيفة أنّ استغلال الأسطورة هو لإيجاد صورة أخرى ممتدة عبر الزمن، ومما قالته أيضا إنّ بن مهيدي مثلا هو أسطورة ليس من خلال بعده الشخصي بل كصورة جامعة عند كلّ الجزائريين ضمن الإطار الشعبي، وهو موقف تتّجه إليه شعوب أخرى في مواقف مؤلمة تمر بها، مؤكّدة أنّ الأسطورة، كما هو الحال في الجزائ،ر كانت عبارة عن مأوى للهروب من الهيمنة الكولونيالية والإفلات من رداء الأدب الفرنسي.