❊ نعيش تحولا كبيرا فيما يتعلق بظاهرة القراءة ❊ هناك بحث عن المتعة والغوص في الخيال وحتى ملء الفراغ النفسي والعاطفي أجرى الدكتور عاشور فني، منذ ثلاث سنوات، استطلاعا لمعرفة اتجاهات القراءة في الجزائر، لذلك لم يشعر بالاستغراب، وهو يرى تدافع القراء الشباب لشراء كتاب الكاتب السعودي أسامة المسلم، بل دعا في حواره مع "المساء"، إلى محاولة فهم ما يريده القارئ الشاب بإشراكه في ندوات حول هذا الموضوع، وكذا إجراء دراسات اجتماعية وأنثروبولوجية وغيرها، لفهم هذه الظاهرة، بدلا من إصدار أحكام ضدهم، بالتالي ترك المساحة للغير ليتواصلوا معهم ويأخذوهم إلى صفهم. اعتبر الدكتور فني، أننا نعيش تحولا كبيرا فيما يتعلق بظاهرة القراءة، ليس في الجزائر وحسب، بل في العالم، في زمن هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي، التي أخذت مكان وسائل الإعلام التقليدية، مضيفا أن المناخ العام لأذواق القراءة لجيل هاري بوتر، يهتم بقراءة الكتب الموجهة لفئة من الشباب. كما شاهد المتحدث العديد من المكتبات العريقة في كندا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، تعرض عند مدخلها الكتاب الموجه للشباب، بالإضافة إلى عمل دور النشر هناك، على استقطاب هذه الفئات، من خلال عمليات ضخمة في التسويق والترويج، نفس الشيء تقوم به، بالنسبة للمؤلفين الذين يكتبون للشباب. ثقافة الشيوخ لا ترضى بأدب الشباب وتابع محدث "المساء"، أن في الكثير من هذه الدول، يوجد أدب للشباب معترف به، لكن في ثقافتنا الجزائرية نجد ثقافة الشيوخ، سواء في الأدب أو في مجالات أخرى، لهذا من الصعب تقبل ظاهرة أدب الشباب، والدليل على ذلك الصدمة التي خلفها توافد عدد هائل من القراء على عملية بيع بالتوقيع، للكاتب السعودي أسامة المسلم. وانتقل الدكتور في حديثه إلى الاستطلاع الذي أجراه في وسط الشباب عام 2021، ليعرف ماذا يقرؤون، فانتبه إلى أن ميول القراءة لدى الشباب لا تحكمها فقط العوامل الأدبية، بل أمور أخرى. وأضاف أن هؤلاء القراء الشباب يتوجهون أكثر إلى المواضيع التي تخلو من الواقعية المباشرة، والتي تعالج القضايا الكبرى، أي إلى تلك التي تعالج القضايا النفسية والذاتية والعاطفية، وكأنهم يحاولون الهروب من التعقيدات والصرامة والجمود، لأنهم يعتبرون القراءة وسيلة للفرار من الواقع، وليست أداة لتكريس الواقع، بالتالي فالقارئ الشاب يهرب من "الأدب الرسمي" ويتجه إلى ما يحرره من الالتزامات الاجتماعية والقيود المفروضة في الساحة الثقافية، فهو يقرأ ليستريح ويخرج من الواقع، وحتى لا يلجأ إلى المخدرات مثلا، خاصة وأنه يعيش مرحلة البحث عن الذات. هذه أغراض القراءة لدى الشباب الجزائري اعتبر فني، أن الغرض الأول للقراءة من طرف الشباب، يتمثل في البحث عن المتعة والغوص في الخيال، وحتى ملء الفراغ النفسي والعاطفي، فيهتمون مثلا بمواضيع الرعب والمغامرة والفانتازيا وما وراء الطبيعة والسحري. أما الغرض الثاني من القراءة، فيتمثل في ظهور كُتاب شباب جزائريين، قد نعتبرهم فقاعات، لكنهم غير كذلك، فهم ينتشرون بسرعة وسط الشباب، ويمثلون اتجاهات عميقة للقراءة لهذه الفئة من المجتمع. أما الغرض الثالث، فيتمثل في اتجاه الشباب إلى قراءة الأدب المترجم، ولو كان مترجما بلغة بسيطة، وقد تكون غير أدبية، والكثير منهم يقرأون باللغة الإنجليزية. واعتبر الدكتور أن كل العوامل التي ذكرها، لا تتعلق بالمقومات الأدبية ولا الجمالية لما هو مكتوب، علاوة على وجود عوامل أخرى قد تؤثر في الشاب الجزائري، مثل كيفية الطباعة وأسلوب المؤلف واهتمام دار النشر بهذا الأدب، مضيفا أن هناك دور نشر جزائرية تستثمر في المؤلفين الشباب، حتى الذين لم تكتمل عندهم الموهبة، فهم يتواصلون مع الٌكتاب الشباب، ليحققوا بذلك قيمة اتصالية قد تكون على حساب القيمة الجمالية والإبداعية. البحث عن المغامرة من خلال كتاب وذكر فني أن الساحة الثقافية في الجزائر لا تقبل أدب الشباب، ولا تقبل بذلك أدب المغامرات والحركة والأدب البوليسي، مشيرا إلى أن الشاب الذي لا توجد مغامرة في حياته، يبحث عنها في الكتاب، وحينما لا يجد هذا النوع من الأدب في الجزائر، يتجه إلى أدب الخيال العلمي والغموض والعالم السحري، أي أنه يبحث عن مذاق المغامرة بأي شكل من الأشكال، حتى أنه يمكن له أن يقرأ رواية ب700صفحة، ف«كيف لنا أن نشتكي من انعدام المقروئية في حضور هؤلاء؟" يتساءل الدكتور. ويستطرد في قوله، إن هؤلاء الشباب يقرأون باللغة الإنجليزية وبالفرنسية والترجمات، ويتوجهون إلى أدب الكلاسيكيات في مراحل لاحقة، معتبرا أن المرحلة الأولى للقراءة مفيدة، تعودهم على القراءة، لينتقلوا في مرحلة النضج، إلى قراءات أخرى، بالأخص الكلاسيكيات التي أصبحت دور النشر الجزائرية تبيعها بكثرة، حتى تربح تجاريا، أمام الإقبال الكبير عليها. انتشار كُتاب لا تسمع بهم الساحة الأدبية الرسمية بالمقابل، لم يشأ فني أن يطلق أحكاما على أحد، لكنه صرح ل«المساء"، أنه لا يجب تحميل مسؤولية قلة قراءة الشباب لأعمال الأدباء الجزائريين، لا للمؤلف ولا للقارئ، بل يجب على وزارة الثقافة والفنون أن تعيد النظر في سياسة الكتاب، خاصة باهتمامها الكبير بالناشر، الذي لم يلعب دوره كما ينبغي، وإهمالها لحلقتي المؤلف والقارئ، وبالتالي لا يوجد ترويج لأعمال كُتابنا ولا تصل كتبهم إلى القراء. كما تحدث فني عن وجود مؤلفين جزائريين غير معروفين في الساحة الأدبية المحلية، ليتفاجأ الُكتاب والنقاد بالنجاح الباهر الذي حققته الكاتبة سارة ريفانس في الخارج، وكذا إقبال القراء الرهيب على كتب الروائي السعودي المسلم، في حين يوجد كُتاب شباب يكتبون وينشرون أعمالهم في دور نشر تهتم بهم، ويحققون نجاحا لا تسمع به الساحة الثقافية الرسمية. واعتبر فني أن اهتمام الشباب بهذا النوع من الأدب، أمر جيد، فالمهم، حسبه، أن يقرأ الشاب وبعدها يصبح مدمنا ويتطور، وسيؤدي به هذا التطور إلى قراءة الكلاسيكيات، علما أن أهم الكتب التي يقبل عليها الشباب في الوقت الحالي، بالمعرض الدولي للكتاب، هي الكلاسيكيات التي تناول فيها مؤلفوها، مثل كافكا ودوستفسكي وجورج أرويل، مواضيع فلسفية وعلم النفس. ضرورة دراسة الظاهرة بشكل علمي تابع الدكتور فني، أنه لجأ إلى دار نشر، وسأل أي كتاب بيعت منه الكثير من النسخ، فتلقى جوابا عن كتاب حول طرق التفكير باللغة الإنجليزية، مؤكدا أن الشباب يعرف ماذا يريد، وينبغي على الأدباء فهم ذلك. كما طالب بضرورة أن نطور من أدواتنا في البحث حول هذا الموضوع، فلا ينبغي الاقتصار على البحث الأدبي والنقد، بل يجب أن يتعداه إلى البحث في علم النفس الاجتماعي وعلم اجتماع الأدب وعلم اجتماع القراءة والأنثربوجيا، مؤكدا أنه مع الاعتناء بهذه الظاهرة والاهتمام بها ودراستها بشكل علمي وموضوعي، وعدم الحكم على الشباب، لأننا ذلك يمنعنا من فهم هؤلاء القراء الشباب، في حين أننا بحاجة إلى التواصل معهم، وليس بإصدار أحكام عليهم، وعلى القيمة الأساسية التي توجههم. ودعا الدكتور إلى تأسيس القيمة الاتصالية، أي فهم توجهات القراء الشباب، ومحاول تلبية حاجاتهم العميقة، التي يمكن التعرف عليها، من خلال تنظيم ندوات وإشراكهم فيها، خاصة على مستوى النوادي الثقافية في مختلف الولايات، مؤكدا أنه في حال عدم الاهتمام بانشغالاتهم، وعدم التواصل معهم، سيأتي آخرون يأخذون مكاننا، وهذه الطامة الكبرى.