"تجربة النقد ونقد النقد عند جورج طرابيشي" (طرابيشي من النقد الأدبي إلى النقد الفلسفي) هو عنوان الكتاب الجديد للأستاذ كريم جدي، صدر عن دار الأمة وشارك به في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر حيث التقت به "المساء". قال جدي إنّ تحضير وكتابة هذا المؤلف الذي يقع في 150 صفحة، استغرق منه ثماني سنوات كاملة، حيث اضطر، وفق المشروعية المنهجية والإبستملوجية، لقراءة قرابة 700 كتاب للطرابشي وأعمال من نقدهم متبعا في ذلك منهجية معينة ومحترما السياق التاريخي لكتابتهم، مضيفا أنّ الطرابيشي أفنى عمره في البحث والكتابة والترجمة، وأثرى الساحة الثقافية ب200 إصدار، كما ترجم لهيغل وليفرويد وسيمون دوبوفوار وسارتر وغيرهم. وأكّد جدي ضرورة قراءة جميع أعمال المفكّر الذي نود الكتابة عنه، حتى لا يكون الحكم على كتاباته مشوها أو اختزاليا، وهذا طلبا للمشروعية المنهجية والفلسفية والمعرفية وللحقيقة الموضوعية. هذا عن القراءة المنهجية، أما فيما يخصّ القراءة الفلسفية فقد قرأ جدي لجورج الطرابيشي بواسطة كتابات أستاذه وعدوه المغربي علي الجابري صاحب كتاب "نقد العقل العربي" حيث بقي الطرابيشي لمدة 25 سنة كاملة يبحث ويكتب لكي ينتقد مشروع الجابري. وذكر جدي تخصيص المبحث الأوّل للفصل الأول لكتابه الذي كتب مقدمته الشاعر أعمر أزراج، لسؤال النقد الأدبي لدى طرابيشي، أما المبحث الثاني فجاء عن مأساة الترجمة في العالم العربي والإسلامي، بينما حمل المبحث الثالث عنوان "خطاب الحداثة وهاجس النهضة"، واختتم الفصل الأوّل بخاتمة مؤقتة، معتمدا على منهج التأويلية أي أنّ كلّ مبحث يحيل إلى المبحث الذي بعده. أما في الفصل الثاني فكتب فيه عن المشروع الضخم لطرابيشي حول "نقد نقد العقل العربي" الذي توزّع على مجموعة من الكتب التأسيسية والشارحة، والبداية بالكتب التأسيسية التي تمثّلت في وضع الخطوط العريضة والهيكلة العامة لهذا المشروع، أما الكتب الشارحة فهي التي شرحت أعماله التأسيسية. وتحدّث جدي عن الكتب التأسيسية لطرابيشي فقال إنّها تتمثّل في كتابه "نظرية العقل" إذ توصّل فيه بعد سبع سنوات من البحث، إلى أنّ الجابري انتصر جغرافيا للمغرب على حساب المشرق وللسنة على حساب الشيعة، كما انتصر ابستمولوجيا لصالح العقل البرهاني على حساب العقل البياني، في حين تناول في الكتاب الثاني لمشروعه المعنون ب"نقد نقد العقل العربي" إشكالية العصر، بينما تطرق طرابيشي في الجزء الثالث لمشروعه عن وحدة العقل العربي والإسلامي وحاول فيه الدفاع عن ابن سينا الذي حمّله الجابري في كتابه مسؤولية أفول العقلانية العربية والإسلامية وتدهور الرصيد الحضاري للذات العربية الإسلامية على أساس أن ابن سينا كان يمثل تيار العقل العرفاني، لكن طرابيشي دافع عن ابن سينا في كتاب بلغت عدد صفحاته 416 صفحة، وفسر جملة قالها ابن سينا وبقيت غامضة وهي "الحكمة المشرقية". وتابع كريم جدي أنّ الجزء الرابع لمشروع طرابيشي يحمل عنوان "العقل السليم" أي كيف تمت الاستقامة العقلانية العربية والإسلامية وبدأت مسيرة التشوّهات الكبرى ودخول العالم العربي في التخلّف واللامعقول، وهنا يُحمّل طرابيشي الذات العربية والإسلامية مسؤولية تدهور الرصيد الحضاري والعقلي الإسلامي، عكس الجابري الذي يحمل جهات خارجية هذه المسؤولية. كما تطرق جدي في هذا الكتاب أيضا الى إشكالية العلمانية وفهمها بين الجابري وطرابيشي، هذا الأخير اتهم استاذه أنه بعدما كان وفيا للنقد الابستمولوجي الموضوعي سقط في فخ الإيديولوجية، ليقول إنّ طرابيشي سقط بدوره في فخ الإيديولوجية حينما أكد وجود صراع بين المشارقة والمغرب.