أصبح رمضان في السنوات القليلة الماضية يأتي مع نهاية موسم الاصطياف و بداية الدخول المدرسي، مما يتطلب بلاشك من المواطنين تخصيص ميزانية معتبرة لمواجهة متطلبات تتنوع بين احتياجات قضاء العطلة، قفة رمضان، ملابس وحلويات العيد، لوازم الدخول المدرسي وهدية العروس "المهيبة"، وما يزيد الطين بلة هو الغلاء الذي يطال مختلف السلع بسبب انتهازية التجار، ما يدعو إلى الاستطلاع عن الأحوال المالية والنفسية وحتى الفيزيولوجية للمواطن الجزائري بعد هذه السلسلة من المناسبات؟ لا ريب في أن رمضان غير إيقاع حياتنا اليومية من خلال جملة العادات والتقاليد التي اصطحبها معه، ولو أن متعة لياليه وأجوائه الخاصة تتطلب من الأسر استعدادات مالية معتبرة تفرز تأثيرات جلية على الميزانية، تبعا لتصريحات بعض العامة من الناس. " رمضان يستنزف الجيوب.. لا يكاد ينتهي إلا ونصاب بالإفلاس والتوتر جراء كثرة فواتيره وحساباته التي لا تنتهي "، كان هذا انطباع العديد من المستجوبين، فبعد أن استنزف الأسبوع الأول من رمضان الجيوب من أجل الاستجابة لمتطلبات القفة الرمضانية من خضر، فواكه، لحوم ومشروبات، امتص الأسبوع ما قبل الأخير ما تبقى في الجيوب، حيث وجد المواطن نفسه مجبرا على التوجه نحو الأسواق استعدادا للعيد والدخول المدرسي في ظل أجواء يميزها الازدحام في مختلف الأماكن العمومية، حيث تفرض كلتا المناسبتين حركة دؤوبة إلى درجة أنه يصعب إيجاد منفذ بين الحشود البشرية المنحدرة من هنا وهناك، لا سيما وأن حركات التسوق لا تتوقف الى حين الليلة الأخيرة من الشهر المبارك. وبهذا الخصوص تقول السيدة حياة. س (موظفة): شعرت براحة نفسية كبيرة بعد أن وفقني الله لأداء العبادات اللازمة من صيام وقيام وترتيل لآيات الذكر الحكيم، لكن لا أنكر بأنه ترك بعض آثار التعب جراء تغير إيقاع الحياة عموما، خاصة وأن طبيعة عملي ذهنية بالدرجة الأولى، مما يجعله صعبا عندما تكون البطن خاوية وتجد نفسك مجبرا على تحمل عناء المواصلات والازدحام الذي يقابلنا أينما ولينا وجوهنا خلال شهر رمضان. أما من الناحية المالية فأجدني ككل رمضان قد أنفقت ضعف ما أنفقه في سائر الأيام العادية، ويحدث هذا الأمر دون أن نشعر، قياسا على المقولة الشعبية: " رمضان يجي بالبركة ويروح بالبركة. أما الآنسة نسيمة. ط شابة متعلمة فتقر: أحدث الشهر الكريم اختلالا كبيرا في ميزانية عائلتي، مما قد يضطرنا للاستدانة في هذه الآونة، وبغض النظر عن ذلك أشعر بالكآبة في هذه الآونة، فرمضان ترك فراغا كبيرا نظرا لأجوائه الخاصة، وبالموازاة مع ذلك لا أخفي أني أعاني من أعراض التعب بسبب تغير النظام الغذائي وإيقاع الحياة عموما. وجاء على لسان السيد عامر. ج موظف يعيل أسرة تتكون من أربعة أفراد : أنتظر رمضان بفارغ الصبر، ولهذا أحزن كثيرا عند فراقه، لأنه يصطحب معه عدة فضائل منها صلاة التراويح التي تطبع أيامنا الرمضانية، لكن للأسف فإن الجشع الذي يصيب العديد من التجار في مجتمعنا، حال دون تمكني من ضمان وجبات متوازنة لكافة أفراد عائلتي في الأيام الأخيرة (يضحك) ثم يضيف: في الأيام الأخيرة لم أشتر الحلويات، كما أن بناتي لم يرضين بنوعية ملابس العيد التي اقتنيتها لهن، وفي الحقيقة لم أتمكن من تأمين المصاريف المضاعفة لثلاث مناسبات متتالية، وما تبقى لدي لا يكفي لإكمال الشهر، مما سيضطرني للاستدانة بلاشك. السيدة رتيبة. ب، ربة بيت عاملة، تشاطره الرأي وتكشف أن متطلبات هذا الشهر فرضت عليها الاستنجاد بالأموال المدخرة، لأن الغلاء ألغى الحسابات التي تم إجراؤها قبل بداية شهر رمضان، وبالمقابل تشعر محدثتنا أيضا بالحزن على فراق رمضان، وهو ما عبرت عنه بالقول: أشعر بالأسف لرحيله، خاصة عندما يوحي لي تأنيب الضمير بأنني قصرت في أداء الواجبات اللازمة ولم أكثر من الإحسان الذي يرفع رصيد الحسنات، لاسيما وأن المسؤوليات المضاعفة في الداخل والخارج أنهكت قواي الجسدية، مما يدفعني إلى الاعتقاد بأن الظفر بعطلة في رمضان قد يكون فكرة صائبة للتمكن من أداء كافة العبادات والأشغال اللازمة كما ينبغي. في حين ذكر المواطن سامي. ك : أن رمضان الذي يتميز بنفحاته الخاصة ترك فرغا كبيرا، لكنه في نفس الوقت ترك آثار تعب جلية، باعتبار أن العديد منا يسير على خطى عادات خاطئة خلال هذا الشهر، ليس أقلها السهر الى ساعة متأخرة أو النوم الى غاية منتصف النهار بالنسبة للبعض ممن ظفروا بعطلتهم السنوية في رمضان، ومثل هذه العادات المضرة تستدعي عطلا مرضية بعد رمضان في بعض الأحيان. ومن ضمن هؤلاء الذين تؤثر عليهم عادة السهر في ليالي رمضان الشاب خليل . ن ، عامل في مؤسسة عمومية الذي صرح : أسهر كثيرا، حيث لا يفصل بين الوقت الذي أنام فيه وموعد السحور الذي أستقيظ فيه سوى أقل من ساعتين، مما يسبب لي اضطرابا كبيرا يضاف إليه توتر الأعصاب الناجم عن الازدحام، فلم يكد هذا الشهر ينتهي حتى شعرت بأعراض الإرهاق«. وعلى ضوء هذه الانطباعات يبدو أن رمضان، العيد ومناسبة الدخول المدرسي، مازالت تشكل ثلاثية مصاصة للمدخرات المالية لمعظم العائلات الجزائرية التي أضحت في هذه الآونة خاوية الجيوب، في الوقت الذي يظهر فيه أن الأسواق الشعبية في عطلة مؤقتة بعدما صنعت الحدث في الأيام السالفة، لا سيما وأن العديد من تجارها يقطنون في مناطق بعيدة عن العاصمة، ورغم كل شيء فإن رحيل رمضان ونكهته الخاصة، خلف انطباعات يترجمها البيت الشعري القائل : كلما كسرني قدومك ... أشجاني نذير الفراق والهجران