احتضن نادي "أمحمد بن قطاف" بالمسرح الوطني الجزائري "محيي الدين بشطارزي"، ندوتي "ذاكرة المسرح حوصلة مشروع أرشيف المسرح الجزائري" ، و"المسرح والقيم الإنسانية" ، في إطار الطبعة السابع عشرة من المهرجان الوطني للمسرح المحترف، المرفوعة إلى الفنانة نادية طالبي. تحدّث الأستاذ محمد بورحلة في الندوة الموسومة ب«حوصلة مشروع أرشيف المسرح الجزائري" ، عن مشروع المسرح الوطني الجزائري لجمع الأرشيف، الذي سيتواصل مطلع جانفي المقبل، بتنظيم خمسة ملتقيات، ويوم دراسي حول الفن الرابع الجزائري في الفترة الممتدة من عام 1973 إلى عام 1980. أما بالنسبة للملتقيات فسيتم احتضانها بالعديد من المسارح. والبداية بالمسرح الوطني الجزائري الذي سيحتضن ندوات حول تجربة أمحمد بن قطاف وزياني شريف عياد وعز الدين مجوبي، في حين يحتضن المسرح الجهوي لوهران، فعالية تهتم بتجربة عبد القادر علولة، بينما سيكون المسرح الجهوي لعنابة على موعد مع تجربة جمال مرير وسيد أحمد أقومي والهاشمي نور الدين. وتابع المحاضر أنه سيتم بالمسرح الجهوي "محمد الطاهر الفرقاني" لقسنطينة، التطرّق لتجربة التأليف الجماعي. أما المسرح الجهوي لسيدي بلعباس، فسيتناول تجربة كاتب ياسين. كما سيتم وفق مخرجات اللقاء الذي جمع مسرحيين في نوفمبر الماضي علاوة على الملتقيات الخمسة، تنظيم يوم دراسي حول "المسرح وإيديولوجية الاستعلاء" بالتعاون مع الجامعة، بالإضافة إلى تنظيم معرض صور، وأشرطة فيديو. وقال بورحلة إنّ للأرشيف أهمية كبرى في كلّ وطن؛ فالأمة التي لا تمتلك أرشيفا يشهد على عطائها وعبقريتها، تكون معالم حضارتها معتّمة، وقابلة للتلاشي، والتحريف، ويصعب الربط بين أجيالها، مضيفا أنّ الأرشيف المسرحي يُعدّ أحد الركائز الأساسية للهوية الوطنية. وجمعه وصيانته يحفظ الذاكرة الجماعية والتراث الثقافي الوطني؛ لهذا أصبح من الضروري أن يمتلك المسرح الوطني الجزائري قاعدة من البيانات، أو مخزونا من الوثائق الصحيحة والشهادات المادية التي تقدَّم للجمهور. وتابع مجددا أنّ مشروع جمع الأرشيف له ميزتان؛ هما "التدرج" ؛ أي تحقّقه عبر مراحل ومحطات. و«الشمول" الذي يُعنى به مسّ جميع أشكال التعبير الجمالي للمسرح. من جهته، تحدّث الأستاذ رابح هوادف عن تجسيد مشروع جمع الأرشيف، فقال إنّ الاهتمام عرف النور ابتداء من اجتماع بين مسرحيين في أفريل 2017 وآخر في جوان 2018، ومن ثم حدث الانقطاع بفعل عدّة عوامل، من بينها جائحة كورونا، ليُستأنف المشروع في ماي 2023، ومن ثم نُظّم ملتقى في 29 جوان 2024 حول الأرشيف المسرحي من 1963 إلى 1972، تم خلاله تناول عدّة مواضيع، من بينها قضية استقراء النصوص القانونية التأسيسية للمسرح الوطني، ونتائج العشرية الأولى للمسرح التي عرفت عرض 38 مسرحية، من بينها 18 نصا جزائريا، وكذا موضوع يخصّ التوافد الكبير للجمهور على المسرح في تلك الفترة، والذي بلغ المليون ونصف المليون، وظهور المسرح في فترة الأمير خالد، وموضوع التعاونيات المسرحية، وآخر حول نشأة مسرح الهواة عام 1967، علاوة على مواضيع أخرى؛ مثل قضية الاقتباس والإعلام المسرحي. وأضاف أنه تم إنشاء منصات رقمية تهتم بالفن الرابع الجزائري ابتداء من عام 1963 إلى يومنا هذا، مؤكدا وجود حركية لإثراء هذه المنصة. المسرح والقيَم الإنسانية الندوة الرابعة للطبعة السابع عشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف، نشّطها الأساتذة أحسن تليلاني وجميلة مصطفى الزقاي وقدور حمداني، حول "المسرح والقيَم الإنسانية". وبالمناسبة، قال الدكتور قدور حمداني إنّ المسرح طالما كان منصة لعرض القضايا الكبرى، والحَفر في خلجات النفوس البشرية والمحكمة؛ لفضّ النزاعات الجدلية، وبالتالي يتشكّل من عدّة مواقف إنسانية. وقال إنّ المسرح الملحميَّ أقرب إلى المسرح الجزائري الذي يهتم بالمواضيع الاجتماعية، والتاريخية، والعقائدية. وفكّك الدكتور عدّة مسرحيات، مبرزا في ذلك المواقف الإنسانية التي ضمّتها؛ فمسرحية "أنتيغو" هي صراع بين الشخصيات. وتنتمي إلى المسرحية الكلاسيكية. أما مسرحية "روميو وجوليات" فتنتصر للقيم الإنسانية، المتمثلة في الحب. وتعود إلى المدرسة الوجودية، بينما مسرحية "في انتظار غودو" فهي حول صراع بين شخصيتين، وتنتمي إلى المدرسة العبثية. وبالمقابل تطرّق لمسرحيات جزائرية قديمة مثل "الخبزة" ، التي تتناول شخصيات اجتماعية بسيطة، تنتمي إلى المدرسة الاشتراكية. أما مسرحية "جي.بي.أس" فتتطرّق لشعور الشخصيات بالضياع، وانفصالها عن بعضها البعض في إطار مدرسة ما بعد الحداثة. وبدورها، قدّمت الدكتورة جميلة مصطفى أزقاي موضوعها حول القيم الإنسانية في المسرح؛ من خلال مونودرام "وسوسة" لإدريس بن حديد، الذي قالت عنه مسرحٌ عبثيٌّ وجوديٌّ، يطرح فيه الإنسان مبرّرات عن وجوده. فشخصية العمل معرَّضة للإعدام. وتتساءل عن طريقة القصاص الذي سيطبَّق عليها. وتطرقت الدكتورة في ورقتها هذه، إلى الجانب الفلسفي للموضوع، مؤكّدة أن القيمة الإنسانية موجودة دوما في العروض باختلافاتها؛ لأنّها مواضيع ذات طابع إنساني ميتافيزيقي، حتى الهجاء والنقد في العروض المسرحية يمثل قيما إنسانية. أما الدكتور أحسن تليلاني فقد تطرّق في ورقته، للقيم الإنسانية في مسرح المقاومة والثورة الجزائرية، فقال إنّ نشأة المسرح الجزائري مرتبطة بالحركة الوطنية؛ أي في مرحلة تطلّب فيها إيقاظ الوعي الوطني، وإصلاح المجتمع، خاصة أنّ، في تلك الفترة، أغلب الجزائريين كانوا لا يحسنون القراءة؛ لذلك فإنّ المسرح كان ملاذهم. وتحدّث المتدخل عن اهتمام الأمير خالد أبي الحركة الوطنية، بالمسرح؛ من خلال تشجيعه على إنشاء جمعيات مسرحية، وكذا قدرة علالو في خلق تربة مسرحية في الجزائر باعتماده على التراث الشعبي في مسرحيته "جحا" ، التي عرف عرضها حضور 1500 متفرّج. وتابع الدكتور أنّ الجزائريين قاوموا المحتل بالمسرح أيضا؛ مثل كتابة عبد الرحمن ماضوي عن يوغرطة، ومحمد العيد آل خليفة عن الصحابي بلال، علاوة على دور الفرقة الفنية لجبهة التحرير الوطني في التعريف بالقضية الجزائرية محليا ودوليا. وظهور مسرحيات أخرى في نفس الموضوع؛ مثل مسرحية" الجثة المطوَّقة" لكاتب ياسين، التي زعزع بها فرنسا، ومسرحية "باب" لمصطفى لشرف التي أرسلها من سجنه إلى مجلة "فكر" بتونس، والتي تُعدّ أوّل مسرحية ثورية، وكذا العديد من المسرحيات الإذاعية التي كتبها صالح خرفي، وأذيعت في إذاعة القاهرة. كما أكد أنّ المسرح الجزائري يضمّ قيما إنسانية؛ مثل الإصلاح، والتربية والتوعية، بالإضافة إلى كونه مسرحا مختلفا تماما عن المسارح العربية؛ لأنّه وُلد في الشارع.