شهدت خشبة المسرح الوطني "محيي الدين بشطارزي"، أوّل أمس الجمعة، عرض مسرحية "كلمة" من إنتاج المسرح الجهوي لسيدي بلعباس، وإخراج عبد القادر جريو، في إطار منافسات الدورة السابع عشرة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف. العمل يروي بأسلوب مؤثر، قصة أربعة نواب جزائريين واجهوا البرلمان الفرنسي بشجاعة عام 1947، مطالبين بسيادة الشعب الجزائري على أرضه، وحقّه المشروع في الحرية. يأتي هذا العرض المسرحي في سياق الاحتفال بالذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير الوطنية. وهو مستوحى من وثيقة "في خدمة الشعب الجزائري"، التي أُعيد نشرها مؤخّراً من قبل وزارة الثقافة والفنون. النص المسرحي الذي كتبه يوسف ميلا، يستند إلى خطابات تاريخية ألقاها النواب أحمد مزغنة، ومسعود بوقادوم، وجمال الدين دردور، ومحمد الأمين دباغين يوم 20 أوت 1947 أمام البرلمان الفرنسي المحتل. واعتمد المخرج عبد القادر جريو على هذه الخطابات، التي تُرجمت إلى العربية من قبل عبد السلام عزيزي، لنسج مستوى ثانٍ من السرد المسرحي. المشاهد المرافقة للخطابات أظهرت بشكل مؤلم، معاناة الجزائريين منذ الاحتلال الفرنسي عام 1830، مسلّطة الضوء على فظائع الاستعمار، وجرائمه في حقّ الشعب الجزائري. ويُفتتح العرض بمشهد لزوجين شابين يعيشان قبل الحقبة الاستعمارية، مليئَين بالطموح والأمل في بناء مستقبل مشرق على أرض سخية. إلاّ أنّ ظهور غريب يطالب بأرضهم يرمز إلى بداية الحقبة المظلمة من الاستعمار، فيتحوّل الزوجان إلى رمز تراجيدي لتاريخ الجزائر، وتصبح رحلتهما المؤلمة الخيط الذي يربط بين الخطابات الوطنية والمشاهد التمثيلية. الخطابات التي نُشرت لأوّل مرة عام 1947 ووُزّعت على نطاق واسع في الجزائر وفرنسا، قدّمت الجزائر كأرض حضارة وتعايش قبل الاستعمار. وأدانت بحدّة الممارسات الاستعمارية؛ مثل مصادرة الأراضي، وتشتيت الأسر، والاعتداء على أماكن العبادة الإسلامية، وخاصة المساجد، إضافة إلى التعذيب والسجن الجماعي. وأكّدت هذه الخطابات رفض أيّ حل لا يضمن استعادة السيادة الوطنية. وتميّزت السينوغرافيا التي صمّمها حمزة جاب الله، ببساطتها، وفعاليتها؛ حيث استخدم ديكوراً مركزياً، أصبح محور حركة الممثلين والمشاهد. التصميم المسرحي فتح آفاقاً جديدة للمشاهد العمودية؛ ما زاد من عمق الدراما، وأثرها. كما استُخدمت الإسقاطات المرئية بشكل مبدع؛ حيث عُرضت مشاهد أرشيفية تتقاطع مع الأداء الحي؛ ما أضفى على العمل بُعداً وثائقياً. وابتعدت مسرحية "كلمة" عن القوالب المسرحية التقليدية؛ حيث مزجت بين التاريخ والذاكرة والإبداع الفني؛ فهي ليست مجرد استعادة للماضي، بل إعادة صياغة معاصرة، تبرز أهمية الفن كجسر يربط الأجيال بالذاكرة الوطنية.