استقبل منتدى مكتبة "الاجتهاد" بالعاصمة، أول أمس، المؤلف احسن قباش، لتقديم كتابه الجديد "مهد الكراهية"، الذي يستعرض فيه بعض الوقائع الاجتماعية البائسة، التي خلفتها العادات والتقاليد البالية، والتي غالبا ما يدفع ثمنها البسطاء، وفي مقدمتهم المرأة، بالتالي فإن الكتاب إدانة للظلم وللنفاق الاجتماعي السائد. قبيل انطلاق اللقاء، قال الكاتب قباش، وهو مختص في البيداغوجيا ومكون للأساتذة، وشغل منصب مفتش اللغة الفرنسية، إنه لو كان بإمكانه أن يغير العالم، لبدأ من تلك القصص المأساوية التي علقت في مخيلته، كما أشار المتحدث، إلى أن مجتمعنا لا يزال يعاني من بعض الطابوهات التي تحتاج لشجاعة كل من يحاول تفجيرها ويتجرأ على عرضها. وأضاف أنه ظل وفيا في طرح القضايا الاجتماعية، لذلك فإن هذا الإصدار يتناول قصة الأم علجية، التي تعيش في مجتمع قروي محافظ بمنطقة القبائل، عانت ويلات الظلم ولم يرحم ضعفها ولا فقرها الذي تجرعته مع أبنائها أحد. عاشت علجية مع أبنائها الصغار مرارة الفقر والجوع، خاصة بعدما تخلى الأب عن مسؤولياتها، وفضل الفرار إلى فرنسا (فترة الثمانينيات)، بعدما ذاق بدوره هذا الحال المر، لتجد الأم نفسها أمام مسؤوليات قسمت ظهرها، وفي إحدى المرات، وبينما أطفالها يتضورون جوعا، تقصد هي دكان البقالة وتقوم بسرقة بعض الطعام، معتقدة أن لا أحد رآها، وبعد التقصي والمراقبة اكتشف صاحب الدكان أمرها، ليساومها في شرفها، مقابل سكوته، رضخت له، ورغم ذلك فضحها في كل القرية، لتقرر نبذها وإقصاءها وتجريمها وحرمانها هي وصغارها من كل شيء ولم يبال أحد بضعفها ولا بمكانتها وأخلاقها التي اتسمت بها طوال حياتها، قبل أن تعيش المأساة وتسرق مضطرة. يعود الأب من فرنسا، بعد غياب 5 سنوات، عاش فيها حياته وتزوج سيدة أخرى، وعندما أخبره أهل القرية، وقف ضد زوجته وتخلى عنها إرضاء لهؤلاء، فتنكر لأبنائه أيضا وتبرأ منهم، خوفا من أن يدفع بدوره ثمن "الفضيحة". دفع أبناء علجية الثمن وهم الذين عانوا مع أمهم الجوع والفقر، دون أن يمد لهم أهل القرية العون، وهنا يؤكد الكاتب أن ذلك كان صورة للنفاق الاجتماعي، الذي يدعي الشرف والمروءة، ويلمع واجهة صورته، لكنه في الحقيقة غير ذلك، يدمر الضعيف ويطلق أحكامه جزافا. ابنة علجية الكبرى، تدعى ذهبية، تعرضت للاغتصاب في القرية، فتقرر الهروب إلى العاصمة، لتلتقي رجلا أكبر منها سنا، كان ثريا، يتزوجها وتذهب للقرية فرحة، لإعادة الاعتبار لنفسها، لكن أبناء القرية يرجمونها ويسبونها. تتوالى الأحداث التي هي في جوهرها مستمدة من وقائع حقيقية، ومن بين ما فيها أيضا، الموقف النبيل للطبيب كمال، الذي عاش في فرنسا 13 سنة، ليجمع المال ويقرر أن يتزوج بإحدى بنات علجية، لكن الأمور تسير عكس ما تم ترتيبه، بعدما يتعرض كمال للنصب والاحتيال. تظل العائلة تعيش حياة البؤس، وتخرج علجية للعمل كمنظفة في مدرسة القرية، وفي الأخير، تكتشف القرية الحقيقة، بعدما تكتشف حقيقة صاحب الدكان الدنيء، لكن ذلك يكون بعد فوات الأوان. أثناء النقاش، بدت منشطة اللقاء الكاتبة السيدة مليكة بورنان، جد متأثرة بالقصة ومتعاطفة مع بطلتها علجية، التي هي في الأساس، رمز للمرأة المظلومة التي تم طحن كل حقوقها والدوس على كرامتها، نتيجة عجزها وفقرها، معتبرة أن هذا النموذج ليس حكرا على منطقة معينة، بل تشهده جهات أخرى من بلادنا. فيما قال قباش، إن الكتابة هي وسيلة لإدانة مثل هذه الآفات الاجتماعية وفضحها، للحد منها، حيث أن السكوت هو بمثابة تواطؤ ووقوف مع اللاعدالة، مؤكدا أيضا أن المجتمع (يعبر عنه بالمهد في القصة) في الكثير من الأحيان لا يظهر إلى الوجه الحسن ويخفي مساوئه، والخطير هو أن من يعرف الحقيقة المخفية من ظلم وقهر وغيرها، لا يجرؤ على الكلام خوفا من أحكام هذا المجتمع وعقابه، فمثلا من يدافع عن علجية المرأة المطلقة، يتهم بأن له مصلحة معها، كأن يكون على علاقة مشبوهة (جنسية معها)، كما أن الأحداث تعكس سيادة هذه التقاليد البالية والتغني بالشرف والنيف في غير موضعه.