نقول إن العالم العربي لا يكاد يترجم شيئا بالقياس إلى ما هو الأمر عليه في البلدان المتقدمة، لكن الحقيقة هي غير ذلك. العالم العربي ينقل إلى لغته كتبا كثيرة، أغلبها في مضمار الأدب والفلسفة، والقليل القليل جدا منها في شؤون العلم، من رياضيات وطب وفيزياء وشعب علمية أخرى. ومشكلة هذا العالم العربي في هذا الشأن تكمن في أنه لا يعرف ما يحتاج إليه من ترجمات. في المشرق تتم الترجمة في الغالب الأعم عن الإنجليزية، بينما يتم نفس الجهد العلمي عن اللغة الفرنسية في المغرب العربي. والدول العربية على ما يمكن ملاحظته، لا تعرف ما تريده في هذا المجال، بل يبدو عليها أنها لا تتقبله بحكم أن الحكم فيها جميعا لا يختلف فيما بينها، أي إنها لا تريد أن يقض مضاجعها أي فكر جديد. وهل هذا الفكر الجديد سوى ما يجيء به التراجمة والمترجمون من اللغات العالمية إلى اللغة العربية؟ والمشكلة الثانية في العالم العربي في نفس هذا الشأن أي في كل ما يتعلق بالترجمة أو بالنقل عن اللغات الأخرى، تكمن في أن جميع ما ترجم إلى حد الآن منذ أن تحررت البلدان العربية وأقامت حكوماتها لا يكاد يؤثر في حركتها السياسية والاجتماعية والفكرية بصورة عامة. لو استثنينا المجال الأدبي، أي الشعر والنقد والرواية والقصة القصيرة وبعض المواضيع الفلسفية، لما وجدنا كبير تأثير للكتب المترجمة في عقول الناس والجامعيين والطلبة. الشعر تأثر فعلا بالمنجزات الشعرية العالمية، بدءا من الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وكذلك فن الرواية وفن القصة القصيرة والفلسفة، وفيما عدا ذلك فإننا لا نجد تأثيرا بينا لما هو علمي في عقل الإنسان العربي، والحاكم العربي على وجه التحديد. فهل من الضروري أن يواصل العالم العربي السير على نفس الخط، ويترجم ما يمكن أن يترجمه دون انضباط، ودون تنسيق بين دوله ومترجميه وأساتذته الجامعيين وأدبائه؟ كتب قليلة ترجمت عن اليونانية والسريانية والهندية في العصور العربية الزاهرة قلبت الأرض رأسا على عقب، وأحدثت ثورة فكرية ليس لها نظير في العالم كله، لكن العالم العربي اليوم يعكس هذه الحقيقة، فهو يترجم، ويخرج المئات من الكتب المترجمة من مطابعه في كل يوم، لكن أثر هذه المعارف الوافدة لا وجود له، فلم يا ترى لا يفكر أهل هذه الحرفة الجميلة الراقية في جمع شملهم من أجل تنسيق جهودهم مع الجامعات وأهل الفكر والصحافة والسينما والتلفزيون والفنون الجميلة حتى يخرجوا بنتيجة إيجابية تخدم أمتهم، وتقضي حتما على كل حاكم يعرقل مسيرة الفكر والمجتمع في الأرض العربية المترامية الأطراف؟