يصل الرئيس الأمريكي باراك اوباما اليوم إلى الصين في زيارة تاريخية هي الأهم في إطار جولته الآسيوية التي بدأها أول أمس بمحطة العاصمة اليابانية ومشاركته في قمة دول جنوب شرق آسيا "الاباك" في سنغافورة ويختمها بالعاصمة الكورية الجنوبية سيول. وتأتي زيارة الرئيس الأمريكي إلى الصين في سياق الحرب الاقتصادية المتأججة بين البلدين منذ أن أخذ الاقتصاد الصيني منحى تصاعديا جعل نموه يصل إلى حدود نسبة11 بالمئة وأصبح يهدد أكبر الاقتصاديات العالمية بما فيها الاقتصاد الأمريكي. وإذا كان الرؤوساء الأمريكيون السابقون قد جعلوا من الصين عدوا اقتصاديا يجب عرقلة وتيرة نموه بسبب ثورته الاقتصادية فإن الرئيس الأمريكي الحالي لم يشأ إتباع مواقف سابقيه وبدأ يعمل من أجل طي صفحة المواجهة المفتوحة وفتح أخرى لتعايش اقتصادي مفروض لصالح علاقات تعاون وتكاملية أكدت الأعوام الأخيرة أنها لصالح الاقتصاد الصيني. والواقع أن الرئيس الأمريكي الذي يسعى للتعاطي مع قضايا العالم الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية بكثير من البراغماتية لم يجد خيارا آخر من غير تليين مواقف بلاده تجاه الصين والعمل من أجل بحث القضايا الخلافية في إطار تفاوضي وبعيدا عن كل شحناء. ولكن الرئيس الأمريكي استوعب الوضع جيدا والذي أكدته الأزمة المالية الراهنة التي جعلت الاقتصاد الأمريكي على حافة إفلاس محتوم بينما بقي الاقتصاد الصيني في منحاه التصاعدي وكأنه ينشط في محيط مغاير للذي تنشط فيه الاقتصاديات الدولية الأخرى. وقد اختار الرئيس أوباما مدينة شنغهاي العاصمة الاقتصادية لدولة الصين بدلا من العاصمة بكين التي أجل النزول بها إلى يوم غد الاثنين حتى يعطي الصبغة الاقتصادية لأهداف زيارته. وينتظر أن يدافع الرئيس الأمريكي أمام طلبة جامعة شنغهاي على أفكاره الجديدة ونظرته لمستقبل علاقات بلاده مع الصين التي تحولت من عملاق نائم إلى عملاق متحرك باستمرار بلغ القمة ولم تعد الصين ذلك البلد المعروف فقط بمنتجاته النسيجية ولكنه كشر عن أنيابه كعملاق اكتسح كل مجالات النشاط الاقتصادي من الحذاء الرياضي البسيط إلى الأجهزة الالكترونية العالية الدقة إلى السيارات الشعبية والفاخرة التي كانت والى وقت قريب حكرا على دول معينة بما فيها الولاياتالمتحدة. وهي القوة الاقتصادية المتنامية التي تفسر الخطاب السياسي المهادن الذي أبداه الرئيس الأمريكي الذي لم يشأ مواصلة المواجهة المفتوحة وقال إن بلاده "لا تريد احتواء الصين وأن تعميقنا لعلاقاتنا الثنائية لا يعني إضعاف علاقات الولاياتالمتحدة مع دول أخرى بل العكس هو الذي سيحصل لأن بروز الصين قوية ومزدهرة سيكون قوة للمجموعة الدولية". وأقر الرئيس اوباما بهذا الواقع الاقتصادي المفروض رغم الهزات التي عرفتها علاقات واشنطنوبكين في السنوات الأخيرة على خلفية تعمد إغراق الصين للأسواق العالمية بمنتجاتها في وقت عمدت إلى إبقاء قيمة عملتها "اليان" في أدنى مستوياتها رغم الاحتجاجات الأمريكية والأوروبية على هذا الاختلال الحاصل بين اقتصاد رائد وعملة بقيت في حدودها الدنيا. وهي علاقة تسببت في اختلال التوازن الاقتصادي بين البلدين جعلت البعض ينعتها بشعار "الصين تنتج والولاياتالمتحدة تستهلك". وقد قبلت الولاياتالمتحدة بهذا الواقع على مضض لحسابات سياسية أيضا بسبب الدور الذي أصبحت تلعبه الصين على الساحة الدولية وعلى رأسها ملف كوريا الشمالية النووي الذي تبقى بكين أكبر حلقة ربط بين واشنطن وبيونغ يونغ وأيضا في علاقة إيرانوالولاياتالمتحدة المتوترة بالإضافة إلى دورها على الساحة الدولية بصفتها عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي.