مثلما شكلت المباراة الفاصلة التي جمعت فريق مصر والجزائر بالسودان منعرجا حاسما في تاريخ الكرة الجزائرية فإنها كانت بمثابة الخطوة الهامة في مسيرة الحماية المدنية الجزائرية التي شكلت لها منعرجا هاما وفريدا من نوعه يضاف إلى رصيد الهيئة العريقة والثري بالانجازات والبطولات وكذا بالمهام الصعبة التي تصدى لها رجال الحماية المدنية ووقف لها بكل بسالة وعزم، وقد اعتبر العقيد محمد تيغرستين رئيس بعثة الحماية المدنية إلى السودان هذه التجربة بالرائدة، معبرا عن استعداده التام لترأس بعثة مماثلة نحو انغولا وربما جنوب إفريقيا، وأضاف أن تجربة السودان جاءت لتؤكد أن الحماية المدنية مدرسة عريقة أثبتت تواجدها عبر التاريخ وفي كل المحافل والتظاهرات ولا يقتصر تواجدها على الكوارث فحسب بل ان لها في الأفراح مكانا مشهودا. كانت بعثة الحماية المدنية الجزائرية آخر العائدين من أرض السودان وأرض السلم والأمان بعدما كان أعضاؤها أول الوافدين إليها مباشرة بعد ان أصدرت الحكومة بيانا أطلعت فيه المواطنين على المعلومات الخاصة بتنقل الفريق الوطني لكرة القدم ومناصريه إلى الخرطوم، والذي أوضح -أي البيان- حرص الحكومة على موافاة المواطنين بالمعلومات الخاصة بتنقل الفريق الوطني لكرة القدم والمناصرين الجزائريين إلى الخرطوم مع مراعاة التكفل الجيد بإقامتهم في السودان خاصة مع موقف التعاون الذي أبدته الحكومة السودانية الشقيقة التي وفرت كل أسباب الراحة الضرورية بتهيئة مواقع إستراتيجية لاستقبالهم ومنها تهيئة مخيم للشباب يتسع ل2000 مكان. وقد شكلت الإقامة الطويلة للوفد المتكون من أزيد من 200 عون وطبيب من الحماية المدنية والتي استمرت خمسة أيام كاملة تجربة ايجابية وهامة في تاريخ الأداء الخاص بفرق الحماية المدنية بالخارج والتي تميزت خصوصا بالسرعة في الأداء، الاندماج والتسيير الجيد للتدفق الجماهيري الكبير وللحدث الكروي الهام والتاريخي سواء من حيث النتيجة التي حققها أشبال سعدان أومن حيث الأداء والتنظيم المحكم الذي أدته فرق الحماية المدنية التي أثبتت أكثر من مرة أنها اكتسبت الخبرة والكفاءة اللازمتين ما يمكنها من تبوء الصدارة. وسرعان ما سارع مؤطرو البعثة الوطنية الخاصة بالحماية المدنية يترأسهم العقيد محمد تيغرستين وهو إطار سام ومدير الحماية المدنية لولاية الجزائر بربط اتصالات مع سفارة الجزائر بالسودان وكذا السلطات السودانية التي سهلت كثيرا من مهام البعثة الجزائرية. وقد أثنى السيد تيغرستين كثيرا على التعاون السوداني من جانب الرسميين وكرم الشعب الذي فتح منازله أمام آلاف الجزائريين الذين غصت بهم الفنادق ومواقع الإيواء الخمسة التي تم تحديدها ومن بينها المطار على أساس انه موقع استقبال رئيسي وكذا السفارة التي كانت بمثابة القبلة الأولى للوافدين بالإضافة إلى موقع المعرض، إقامة سوبا والمعمورة. تجربة فريدة في رصيد الحماية المدنية الغني وبحسب محدثنا فإن المهمة الرئيسية لبعثة الحماية المدنية كانت مرتكزة حول التكفل الطبي والصحي للمناصرين من جهة، وكذا مهمة أساسية تتعلق بالتوعية وتوزيع تذاكر الدخول والرايات الوطنية والطعام على أزيد من عشرة آلاف مناصر كانوا مجمعين في بقعة محددة وهو ما صعب من مهمة تنظيم تحركاتهم وتلبية احتياجاتهم، ولأنه لم يسبق لفرق الحماية المدنية ان باشرت بتنظيم مثل هذه الأعمال خارج الوطن باستثناء عمليات الإنقاذ المعروفة بها والتي تجيدها باعترافات دولية، فإن المهمة كانت بمثابة التحدي الذي تم رفعه وإنجاحه بكل عزم وثبات. ويؤكد العقيد تيغرستين انه مستعد لتكرار تجربة من هذا النوع ربما خلال كأس إفريقيا للأمم المزمع تنظيمها بانغولا والاستفادة من التجربة السودانية التي ستكون بمثابة المرجع الهام والأساسي لكل نشاط تنظيمي لما يمكن استخلاصه من فوائد كبيرة، مضيفا انه ورغم التجربة الجزائرية الكبيرة والعريقة في ميادين الإنقاذ والطوارئ والتي يشهد لها العالم قياسا بحجم التدخلات التي قام بها الأعوان في العديد من الدول في العالم، إلا ان لهذه التجربة خصوصية وميزة لا نجدها في التجارب السابقة التي تشابهت في معظمها، وسيتم إثراؤها وتدعيمها في المستقبل لاكتساب صفة الاختصاص تضاف إلى الرصيد الثري لسلك الحماية المدنية التي تحمل مواصفات عالمية عالية. ثلاث مهام رئيسية...وكلمة السر "الجزائر في اللعب" من جهته، أعرب الملازم الأول السيد فرحات فزيل عن افتخاره بهذه التجربة الفريدة من نوعها على حد تعبيره والتي لم تكسبه إلا إرادة وعزما على تشريف "مهنة الموت أوالحياة" في كل المحافل الدولية، وحصر محدثنا مهمته في الخرطوم في ثلاث نقاط أساسية وصعبة التنظيم أولا ثم التوعية وأخيرا الإسعاف بحيث وجد أعوان الحماية أنفسهم في مهام قربتهم أكثر من المواطنين والمناصرين الذين اكتشفوا ولأول مرة الوجه الآخر لعون الحماية المدنية في ميادين التنظيم والتوعية، حيث تكفلوا ولوحدهم بتنظيم تدفق المناصرين وتوجيههم، إيوائهم وإطعامهم بالإضافة إلى توزيع تذاكر الملاعب على ما يفوق ال12 ألف مناصر بشكل منظم ودقيق يحول دون استفادة أي مناصر من تذكرتين وذلك بوضع إشارات خاصة ومتعارفة بين أفراد البعثة على جوازات سفر المناصرين، أما الأكل والإيواء فقد تم بشكل منظم بحيث لم يستثن أحدا من الأكل "فشبع الجميع ونام نومة مريحة تقيهم برد الليل وقسوة الأرض علما ان الخيم التي نصبتها البعثة الجزائرية استقبلت أزيد من 8000 مناصر فيما تم توزيع باقي المناصرين على الفنادق وبيوت السكان والأهالي الذين غمرونا بكرمهم الفريد من نوعه والنادر في زمن طغت فيه المادة". أما المهمة الأصعب فهي التوعية التي شكلت جهدا مضاعفا للأعوان وأخذت جل وقتهم غير أن كلمة واحدة كانت كفيلة بزرع السكينة في قلوب المناصرين فكانت الرسالة واحدة وكلمة السر موحدة وهي "الجزائر في اللعب" وسمعة الجزائر فوق كل اعتبار مما خلق لدى الجزائريين وطنية كبيرة واستثنائية ولعل هذا ما دفع بالمصريين إلى القيام بمحاولات يائسة لتلطيخ سمعة المناصرين الجزائريين. هدف قاتل يصيب 170 جزائريا بجروح وعلى الرغم من صعوبة المهمة وسرعة تنظيمها في وقت قياسي إلا أن أعوان الحماية المدنية لم يسجلوا أية جروح قبل المباراة ولا بعدها باستثناء الإصابات التي تم تسجيلها مباشرة بعد قذيفة عنتر يحيى التي أصابت المناصرين بجروح متفاوتة وبالإغماءات والغثيان للعديد منهم مما استدعى تدخلا عاجلا مباشرة عقب تسجيل الهدف الأول والوحيد من عمر المباراة، حيث عمل أعوان الحماية بإنزال المصابين من المنصة فيما تكفلت قوى الدفاع المدني بنقلهم نحو المستشفيات السودانية التي تكفلت بها، وعلى الرغم من حساسية المباراة والتكهنات التي سبقتها من احتمال تسجيل مشادات بين مناصري الفريقين إلا أن سلوكات المناصرين الوطنيين دحضت جميع الادعاءات والتوقعات التي جاءت بما لا تشتهي بعض النفوس. "وإلى جانب هذه الإصابات تم تسجيل حوادث أخرى كبعض الاعتداءات ضد الجزائريين من قبل بعض المناصرين المتعصبين غير أننا آثرنا عدم الحديث عنها رغم أهميتها لأن فرحة الانتصار كانت أقوى وأكبر"، يقول الملازم فرحات مضيفا أن صعوبة هذه المهمة تكمن خصيصا في العمل والتواجد بأرض غريبة وبدون هندام رسمي يمثل الهيئة وهذه من أصعب المهام كون اللباس يحميك قانونيا ويعطيك هبة ومكانة أمام الشخص الذي تتعامل معه ورغم ذلك النظام السودانيون احترمونا كثيرا ووفروا لنا جميع الشروط وإمكانيات العمل اللازمة وسهلوا لنا كل الأمور بمجرد التعريف بأنفسنا ففتحوا لنا بيوتهم ومكنونا من سياراتهم ولم يحجبوا عنا نساءهم رغم تقاليدهم الدينية والمحافظة. المصريون طبخوا لنا وأكلوا معنا ...وأقمنا علاقات طيبة معهم عكس جميع الصور الخيالية التي تروجها الفضائيات المصرية فإن يوميات البعثة الجزائرية في السودان تختلف بكثير عن مشاهد العنف المفبركة التي يحاول فنانو مصر وإعلاميوهم تسويقها للعالم، بحيث أكد محدثنا أن الطباخين المصريين الذين يعملون بالسودان هم الذين تكفلوا بإعداد الطعام الساخن الذي قدم للمناصرين الجزائريين بعد أن نفذت كل العلب الجاهزة التي تم جلبها من الجزائر، وقد تمت العملية في جو من التآخي بعيد عن "الشحن المصري" الذي لم يتوقف عن مهمته القذرة إلى آخر لحظة. وعلى الرغم من كل المؤثرات الخارجية القوية إلا ان الأجواء بين الجزائريين والمصريين تميزت بالتعاون والمرح بشكل لم نشعر أبدا أننا أمام ظرف مصيري لتسقط جميع الحواجز وتتلاشى جميع الأحقاد والضغائن فوق مائدة الطعام التي فتحت للجزائريين والسودانيين وحتى المصريين الذين شاركونا طعامنا ولو كان ذلك خفية. بعد السودان ..التفكير في أنغولا لم يتردد محدثنا ولا قائد البعثة الرسمية في الإعراب عن الرغبة في تكرار عملية وتجربة السودان في بلد آخر على غرار انغولا التي تستعد لاحتضان كأس أمم إفريقيا لكرة القدم وربما الذهاب أبعد من ذلك إلى جنوب إفريقيا خلال مونديال 2010 سعيا منهم لاكتساب المزيد من الخبرة في مجال التنظيم والتسيير خارج القواعد أوالبلاد ومرافقة المناصرين والفريق الوطني حيثما حلوا.. "ولا نريد مقابل ذلك لا جزاء ولا شكورا" بحسب الملازم الأول السيد فزيل.