استضافت جمعية "الجاحظية" في إطار نشاطها الأسبوعي الأستاذ محمد عباس الكاتب الصحفي المختص في الشخصيات الوطنية التاريخية، حيث ألقى محاضرة خصصها لمحمد لمين دباغين أمين عام حزب الشعب الجزائري، مسلطا الضوء على عدة زوايا من نضال هذا الفارس العبقري. محمد لمين دباغين من العملات النادرة في مسيرة الحركة الوطنية وإن صح التعبير شخصيته فذّة لم تستثمر حق الاستثمار. استهل الأستاذ محمد عباس محاضرته أمام مجموعة من المثقفين بتسليط الضوء على شخصية محمد لمين دباغين التي تميزت بالنبوغ والتفوق. وقال الأستاذ محمد عباس أن محمد لمين ولد في 24 يناير 1917 بحسين داي من عائلة جاءت من مدينة خميس مليانة. ويضيف عباس أن محمد لمين دباغين أظهر تفوقه بمعهد البليدة لحد أنه أحرج لجنة الأساتذة التي كانت تريد أن تجعل من "دانيال" المتفوق حيث تفوق عليه محمد لمين دباغين تفوقا كاملا. كما أوضح الأستاذ عباس أن محمد لمين دباغين كان تحت رقابة شديدة من طرف والده إلا أن هذا لم يمنعه من النظر الى السياسة من خلال جريدة الأمة التي كان يصدرها حزب الشعب الجزائري مع مجموعة بن يوسف بن خدة ودحلب، وهذا ما جعله يتصل بحزب نجم شمال افريقيا ثم بعده بحزب الشعب الجزائري لخدمة قضية الحرية والاستقلال والسيادة. ويضيف الأستاذ عباس أن لمين دباغين التحق بكلية الطب سنة 1937 بعد أن حُرم من الالتحاق بكلية الهندسة التقنية التي كانت محرمة على الجزائريين، وفي هذه المرحلة التحق محمد لمين الطالب بكلية الطب بحزب الشعب الجزائري المحظور أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث استطاع طالب السنة الرابعة أن يقود الحزب ويتولى أمانته العامة أي أمينا عاما للحزب إثر غياب رئيسه مصالي الحاج الذي كان منفيا، ولعبقرية هذا الرجل استحدث الأمانة العامة وقاد الحزب وضخ فيه دماء جديدة وأفكارا جديدة سايرت التطورات الحاصلة، حيث كان محمد لمين يفكر كثيرا وكان يتوقع انزالا بحريا سواء من قبل دول المحور أودول التحاف وهذا ما جعله يرى أن فرحات عباس هو الشخص المؤهل لمحاورة المحتلين وهذا ما جعله يلح على عباس حتى أقنعه بتسليم بيان للحلفاء الذي اشترك في صياغته وهو البيان الجزائري. وأثناء الحرب العالمية الثانية لم يجد لمين دباغين بدًا من التنسيق والتحالف مع حزب البيان والعلماء المسلمين الجزائريين واقترح عدة أفكار منها الدعوة لانشاء حكومة إئتلاف يتم الإعلان عنها من جانب واحد وذلك سنة 1945، كما اقترح انشاء حزب ثوري يبنى على أساس الحرب الشعبية والمطالبة بالاستقلال والسيادة باستعمال كافة الوسائل ومنها الحرب الشعبية. كما كان يفكر بانشاء طليعة مسلحة تطلق شرارة الثورة وكانت مبادرة لمين دباغين واضحة بعد أحداث 8 ماي 1945 باللجوء إلى انشاء طلائع الكفاح المسلح وانتهاج الحل الثوري. وبعد عودة مصالي من منفاه والإعلان عن المشاركة في الانتخابات التي كان محمد لمين دباغين ضدها فقد شارك وفاز بها وكان ذلك سنة 1946، وكانت لمحمد لمين دباغين كما قال الأستاذ محمد عباس صولات وجولات حيث كان يطالب بالاستقلال. وفي سنة 1947 تم انشاء المنظمة الخاصة بقيادة محمد بلوزداد وهي تنظيم شبه عسكري سري، وقد تم تكليف محمد لمين دباغين بالعلاقات الخارجية لتوفير المال والسلاح، فزار القاهرة والتقى بعزام باشا رئيس الجامعة وبحث معه الموضوع، وعاد بخطة أن تكون طرابلس الغرب نقطة عبور للسلاح إلا أنه لم يلق التجاوب من قبل الحزب الذي أحدث تغييرات عميقة في الهيئة العامة وتم إبعاد الدكتور لمين دباغين من العلاقات الخارجية. وكان ذلك أيضا بسبب الأزمة البربرية 1949 حيث تم اقصاء محمد لمين دباغين في السنة نفسها، حيث كان محمد لمين دباغين يدعو لفسح المجال لرجال جدد فرد عليه مصالي الحاج أن جنرالات المرحلة السياسية هم جنرالات مرحلة الاعداد للثورة. ويضيف عباس أن بوضياف وجماعته عرضوا على محمد لمين دباغين قيادة الثورة فاعتذر عن ذلك وفضل أن يكون واحدا منهم. ويضيف عباس في تقديم هذه الشخصية الفذة بالقول أن محمد لمين دباغين ألقي عليه القبض وتم اعتقاله عشية انطلاق ثورة أول نوفمبر 1954، ثم أفرج عنه واتصل بكريم بلقاسم وأصبح يجتمع به كل أسبوع بالعاصمة ثم برابح بيطاط وعبان رمضان. ويضيف محمد عباس أن لمين دباغين تم اعتقاله مرة ثانية بأمر من "سوستال" الحاكم العام وقد استمر اعتقاله لأربعة أشهر قبل أن يفرج عنه، وعينه عبان رمضان على رأس الوفد الخارجي لجبهة التحرير وبادر بحوار مع جماعة مصالي إلا أن الحوار لم ينجح. حياة محمد لمين دباغين تتطلب أكثر من وقفة لتسليط الضوء على الجوانب المظلمة منها والتي لم يسلط عليها الضوء لأن وراء الأكمة ما وراءها، خصوصا إذا كانت هذه الأكمة الثورة الجزائرية العظيمة، فشخصية محمد لمين دباغين شخصية متميزة وعبقرية عاد بعد الاستقلال لفتح عيادة بمدينة العلمة ليلتحق بالرفيق الأعلى في 20 مارس 2003 وأوصي بأن يدفن بمقبرة سيدي امحمد بالعاصمة.