"السهل الممتنع"، هذا ما يمكن أن يوصف به كتاب "تطوّر الشعر العربي في العصر الحديث"، للدكتور حلمي محمد القاعود، الذي يجمع في أسلوبه، الدقة العلمية العذوبة الأدبية، وتتحقّق في كتابه سلاسة العرض وطلاوة الأسلوب ومتانة الحكم العلمي القائم على المنطق والاستقراء والدليل والبرهان. وفي رصده لتطوّر الشعر العربي الحديث يقدّم لنا صورة شاملة متنوّعة، تتوقّف عند التفاصيل الدقيقة التي لا يمكن الاستغناء عنها للوعي بحركة الشعر العربي الحديث، ومساره على امتداد ما يقرب من قرنين من الزمان، في إيجاز غير مخل، ويقدّم لهذا التطوّر برصد أبرز العوامل التي مهّدت للنهوض الشعري الحديث، ثم يشير إلى المدرسة المحافظة في سياقها البعثي الإحيائي، فالمدرسة التجديدية على يد الديوانيين وجماعة أبولو والمهجريين، وينتقل إلى حركة التجديد التي عرفت باسم "الشعر الحر" أو "شعر التفعيلة" من خلال الروّاد العرب، وشعر المقاومة الفلسطينية. وعلى امتداد صفحات الكتاب يتعرف القارئ على أعلام الشعر العربي الحديث في شتى مراحله وفتراته، مع نصوص دالة وموضّحة، ويطرح الكتاب مجموعة من المقترحات للنهوض بالشعر المعاصر بعد أن جرى عليه ما جرى على الحياة العربية العامة من أحوال وأوضاع. وفي مقدمة الكتاب يشير المؤلف إلى أنّه يهدف إلى تقديم صورة مكتنزة الملامح لحركة الشعر العربي الحديث؛ تتيح للأجيال العربية والإسلامية الجديدة الإلمام بفن العربية الأول والتعرّف عليه في خطوطه الأساسية ومعالمه الرئيسية حتى منتصف القرن العشرين تقريبا. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ من غايات الكتاب تصحيح الأحكام الغالطة من خلال سياقات علمية موضوعية وأدلة نصية مقنعة، مما يهيئ لفن العربية الأوّل، فرصة الوجود الحي عبر نماذجه القوية المضيئة في وجدان القراء المعاصرين، مع نفض الرماد عن النماذج الجيدة التي أطفئت أو غيّبت تحت الرماد بحكم الدعاية المزيّفة أو غير المنصفة وفقا لما تمليه الأمانة العلمية. وفي ختام البحث يقدّم الكاتب مجموعة من المقترحات للارتقاء بفن العربية الأول؛ أبرزها: التوجيه نحو الاستفادة من إمكانيات النظام الخليلي، وخاصة في البحور التي لا تستخدم إلاّ نادرا، ومجزوءات البحور بصفة عامة، وألوان الموشّحات والمقطعات، وأيضا الإفادة من الشعر الحر في التأليف المسرحي والملحمي بما يرفع الذائقة الأدبية لدى الجمهور، وبما يكسر حدة الرتابة والتكرار، التي كانت سببا لهجر الشكل الخليلي، فضلا عن استيعاب الطاقة الشعرية الزائدة بما يقدم التراث العربي في أفضل صورة، ويضيف إلى الرصيد الشعري القائم رصيدا جديدا، ثم الالتفات إلى الروح الإسلامية في عطاءاتها الغنية من خلال فروع الثقافة المختلفة، واستلهام رموزها وشخصياتها بعد أن خفت وجودها بفعل عوامل عديدة. كما يوجّه البحث إلى ضرورة الاهتمام بقضية اللغة العربية بحكم أنها أبرز عناصر البناء الشعري وأداته الأولى؛ حيث تتعرض لمحاولات سحق وطمس تمضي على قدم وساق، وضرورة البحث في الوسائل والطرق التي تنصفها وتجعلها تستعيد مكانتها في الإعلام والتعليم والثقافة والفكر والإدارة والمجتمع. والكتاب يترجم لعشرات الشعراء من كل الأجيال ترجمات وافية، ويعرض تفاصيل عديدة لحركة الشعر الحديث، تشير إلى حيوية الأمة وقدرتها على الانبعاث الحضاري في كل الظروف والأحوال. اسم الكتاب: تطور الشعر العربي في العصر الحديث اسم المؤلف: أ. د. حلمي محمد القاعود الناشر: دار النشر الدولي بالرياض السعودية تاريخ النشر: 2010