أثريت المكتبات الجزائرية بصدور كتاب »البطل المغترب في الرواية العربية«، وهو عبارة عن دراسة تحليلية نقدية معمقة للدكتور مصطفى فاسي الذي شرح شخصية البطل المغترب في الرواية العربية من خلال دراسته وتحليله لروايات عربية طرحت هذه الشخصية ودرست من خلالها الجاليات العربية المهاجرة واصطدامها بواقعها الجديد الذي يخالف موطنها الأصلي ويعارض كل قيمها. اختار الدكتور مصطفى فاسي عدة روايات واعتمد على تحليلات اجتماعية وفلسفية ونفسية ودينية، واجه من خلالها أبطال الرواية واقعهم الجديد المدهش والمغاير، خصوصا تلك الموضوعات الحساسة التي تعري الأنا العربي وتسقط عنه كل الأقنعة التي يحاول من خلالها إخفاء حقيقته، وذلك حين احتكاكه بالمجتمعات الغربية ويجد ما توفره الحرية من هامش المناورة والمغامرة، فيقول الدكتور مصطفى فاسي في مقدمة كتابه » موضوع اللقاء بين الذات والآخر، هذا الموضوع الحضاري الذي سوف يظل يمثل مجالا غنيا لمزيد من الدراسة والتعمق في مختلف مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية وغيرها«. وقد قسم الدكتور مصطفى فاسي موضوع دراسته »البطل المغترب في الرواية العربية« إلى ثلاثة أبواب تحتوي أحد عشر فصلا، إضافة إلى المقدمة والخاتمة والتمهيد. وفي الباب الأول من هذا الكتاب، تناول موضوع »العلاقة بين الرجل والمرأة« الذي غطى تحت مظلته جملة من الإشكاليات منها »إشكالية الجنس« و»الجنس والحب« و»الحب المستحيل« ثم »الانسجام والحب الممكن«. أما الباب الثاني فقد تناول فيه المؤلف بالتحليل والدراسة موضوع »الاصطدام بين الذات والآخر«، واختار لهذا الباب ثماني نوافذ روائية أطل من خلالها على فضاءات الشخوص التي انتقلت من فضاءات الشرق بكل طقوسه وقيوده ومعتقداته ومكبوتاته إلى الفضاء الغربي المتحرر، إلا أنها تفاوتت في رؤاها وانبهارها بهذا الفضاء وما يمكنها أن تأخذ منه وما تنقله إلى فضائها الأصلي حين أوبتها للديار، الغرب المدهش المنفلت من التقاليد والعادات المتعري من القيم المتحرر من المكبوتات«. وقد نبه الدارس الى أن موضوع الروايات المدروسة اتكأ على إبراز جوانب التناقض والاختلاف بين الأنا والآخر، هذا التصادم والأحكام المسبقة، بل كما عنون المؤلف فصول هذا الباب ب »العداء التاريخي الاستعماري« و»الصهيونية ونزاع الشرق الأوسط« و»الموضوع الطبقي«. أما الباب الأخير من هذه الدراسة الأدبية الذي يحتوي أربعة فصول، فهو الآخر اختار له الباحث، ثمانية نصوص روائية يشرح من خلالها الأزمات التي تقف حاجزا أمام والإنسان الشرقي وعنون هذا الباب ب »الإشكال الحضاري وأزمة الإنسان الشرقي«، وقد تناولت فصوله هذه الأزمات في : »الأشكال الحضاري الثقافي الديني«، »أزمة البحث في فضاء حر« و»الذات المؤزمة«، ثم »أزمة السياسي المضطهد«. وكان موضوع الكتاب ثريا ودسما في تحليله ونصوصه واستعراضاته التاريخية والاجتماعية، تدرس وتقارن من خلال النصوص والشخوص العلاقات بين الشرق والغرب.. ليخلص في الأخير الدكتور مصطفى فاسي مؤكدا بالقول » إنها أزمة المثقف العربي الحديث وحيرته في تجاذبه بين ثقافة "الذات" وثقافة "الآخر" هي الحيرة الفاجعة في الحوار مع "الآخر" مع تفاوت درجات هذا الحوار ما بين المسالمة حد الرضوخ له رضوخا كاملا، أو الوقوف معه ندا لند في حلبة المناقشة لبعض الأمور والقضايا«. ويمضي الدكتور مصطفى فاسي في ختام كتابه إلى النتيجة المتحصل عليها وهي حسبه » بعد البحث والتقصي : قصد توصلنا إلى الإجابة عن الأسئلة المطروحة، أو تلك التي كانت تدور في أذهاننا عند الشروع في البحث وأهمّها على الأقل، بقدر ما يؤدّي الأمر إلى طرح أسئلة جديدة لم نكن نتوقعها، ومن ثم فنحن لا نملك الإجابة عنها«. الكتاب من الحجم المتوسط ويتوزع على 532 صفحة بما فيها الفهارس، والبحث هذا دراسة وافية قد تكون ركنا من أركان المراجع لدارسي الأدب العربي ومعتمدا من حيث التحليل والبحث والمنهج المتبع في تشريح الشخصيات الأدبية الفاعلة، والتي كانت بدورها أعمدة لبناء المعمار الأدبي والنهضوي الفكري العربي الحديث، والذي على أساسه بني الفكر واستمد أدواته المعرفية وأساليبه الحياتية.