رغم التضييق الذي فرضته السلطات الفرنسية على المواطنين يوم 16 أفريل من سنة ,1940 في محاولة لمنعهم من حضور تشييع جثمان الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الإصلاحية بالجزائر، إلا أن عدد الحضور قدر بحوالي 20 ألف شخص غصت بهم شوارع المدينة وغص بهم المسار بين منزل الشيخ والمقبرة المركزية. يقول الدكتور عبد الكريم بن كرطوسة، أحد الشهود على جنازة الشيخ عبد الحميد بن باديس والذي كان يبلغ من العمر 5 سنوات يوم الجنازة، أن فرنسا أخذت كل التدابير والاحتياطات لمنع توافد المواطنين على الجنازة، حيث قامت السلطات الفرنسية بأمر من الحاكم آنذاك، وحسب المتحدث، بغلق كل أبواب المدينة لمنع توافد المواطنين من نواحي المدينة على غرار الخروب، الحامة بوزيان وحتى من خارج المدينة من الولايات المجاورة، على غرار بسكرة التي كان يربطها والشيخ بن باديس علاقات جيدة. ويضيف عبد الكريم بن كرطوسة، أنه كان على كتفي امرأة وقت الجنازة، حيث قال ''حاولنا الالتحاق بالجنازة التي كان في مقدمتها أعيان المدينة على غرار المفتي، القاضي وبعض الأئمة، لكن الجيش الفرنسي كان يمنعنا في كل مرة وقد حاولنا الالتحاق بالجنازة نحو شارع طريق جديدة (العربي بن مهيدي حاليا) انطلاقا من سيدي بوعنابة لكننا فشلنا''. ويتابع ''أخذنا طريق رحبة الجمال دون فائدة لتتفطن المرأة التي كانت تحملني على كتفيها الى طريق مختصر مرورا بشارع الشط نحو مدرسة عبد الحميد بن باديس، حيث تمكنا من الالتحاق بالجنازة''. ويصف عبد الكريم بن كرطوسة مراسيم التشييع بالحدث الكبير، حيث قال إن المتوافدين كانوا في شكل أمواج متدفقة رغم تصدي الجيش الاستعماري لذلك باستعمال أخمص البنادق، حيث بدأت الجنازة بحوالي 3 آلاف مشيع لتصل في وقت قصير إلى 20 ألف مشيع انطلقوا مشيا على الأقدام من منزل الشيخ ابن باديس بشارع الاربعين شريفا نحو المقبرة المركزية على مسافة حوالي 3 كيلومترات. ويضيف المتدحث أن هذه المسافة قطعت في حوالي 4 ساعات، حيث كان الجو خريفيا رغم أن الفصل ربيعي وكانت الغيوم تغطي السماء مع حرارة مرتفعة، ما جعل المنظمين من المنتسبين الى جمعية العلماء يقومون بسقاية المشيعين وحتى تبليلهم بالماء بصب الدلاء على الناس لتلطيف حرارة الجو وسط بكاء النسوة بزيهن القسنطيي المميز والملاية السوداء، وأناشيد بعض محبي الشيخ الذين كانوا يرددون القصيدة المشهورة للشيخ ابن باديس ''شعب الجزائر مسلم والى العروبة ينتسب...'' والتي لحنها إبراهيم العموشي. وقد وصل الجثمان إلى المقبرة المركزية مع وقت العصر، بعدما أغلقت السلطات الفرنسية مداخل ومخارج أحياء المدينة القديمة لمنع زيادة عدد المشيعين، وذلك بأمر من الحاكم الفرنسية للمدينة الذي قرأ تأبينية السلطات الفرنسي، محاولا تغليط الشعب، حسب الدكتور بن كرطوسة، حيث حاولت السلطات الفرنسية اغتنام الفرصة لشكر تعاون عائلة ابن باديس مع فرنسا والتذكير بخدمات مزعومة لوالده، لكن كل الحضور حسب ذات المتدحث، تفطنوا لهذه الحيلة، خاصة وأن الجميع كان يعلم موقف الشيخ بن باديس من تعامله مع فرنسا ورفضه الأموال المقدمة من هذا الباب وحتى خروجه من البيت العائلي مفرطا في الثروة والجاه. وتوفي صاحب مقولة ''شعب الجزائري مسلم''، حسب الدكتور والزميل الصحفي عبد الكريم بن كرطوسة، بعد هزال أصابه نتيجة الإرهاق وقلة الراحة والأكل، لكن أعماله ومواقفه خلدته وجعلته رائدا للحركة الإصلاحية ليس في الجزائر فحسب، بل في العالم العربي والإسلامي معا.