يلعب الإعلام الوطني دورا بارزا في محاربة الفساد بكل أشكاله سواء تعلق الأمر بآفات تبديد المال العام أو الرشوة أو استغلال النفوذ، وكثيرا ما تضم جهود الإعلام إلى جهود العديد من الهيئات المعنية بذلك، سواء السلطات الأمنية أو القضاء. لكن الأهم في تعاطي الصحافة مع قضايا الفساد أن يكون ذلك بعيدا عن التحول إلى الحَكَم أو اختيار نهج التهويل على حساب حق المواطن في الإعلام. ويشكل ملف محاربة الفساد في الآونة الأخيرة أهم محور يغذي الساحة الوطنية بالنظر إلى القضايا المعالجة من طرف السلطات الأمنية في إطار التحقيق الأولي، أو تلك التي بلغت قصر العدالة وشرع القضاء في النظر فيها والفصل في إدانة أو تبرئة المتابعين وفق حيثيات القضايا، وفي كل ذلك لعب الإعلام الجزائري دورا محوريا في كشف العديد من التلاعبات، حيث تحرك القضاء بناء على المعلومات الواردة في المقالات الصحفية وهذا ما أكده وزير العدل حافظ الأختام السيد الطيب بلعيز أكثر من مرة، حيث أوضح أن العديد من القضايا التي تثار من طرف الإعلام تكون محل تحقيق لكن بعيدا عن أي تهويل، بل في إطار ما يقتضيه القانون من سرية التحقيق. وتدرك السلطات العمومية جيدا دور الإعلام في محاربة الفساد والرشوة والمحاباة وهو ما يعكسه الاهتمام بترقية المجال الإعلامي السمعي البصري أو الصحافة المكتوبة وهو الالتزام الذي تحدث عنه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الخطاب الذي ألقاه في بداية عهدته الثالثة في أفريل من العام ,2009 حيث وعد في خطابه للأمة بمناسبة أدائه لليمين الدستورية لعهدته الثالثة بمنح مكانة أكبر للصحافة في الجزائر، وأنها ستحظى بالاحترام التام من قبل الدولة التي ستبقى حريصة على تسهيل ممارسة وتطور المهنة أكثر فأكثر وعلى كافة الأصعدة. ودعا وسائل الإعلام الوطنية إلى لعب دور أكبر في مسار التقويم الوطني وتحصين المجتمع من الآفات الخطيرة التي تفشت بشكل مريب في السنوات الأخيرة، ولا سيما الظواهر المتصلة بالفساد والرشوة والمحاباة، وقال ''إن لأجهزة الإعلام دورا هاما تضطلع به في هذه المحاربة''، واعتبر في سياق متصل بأن حرية الصحافة تمثل جزءا هاما من المشروع الديمقراطي الذي يحمله برنامجه الرئاسي. ويحرص الرئيس بوتفليقة في مسعاه من أجل القضاء على كافة أشكال الفساد، على إشراك جميع الفعاليات الوطنية في هذا المسعى لكون تحقيق هذا المبتغى لا يقتصر فقط على جهة دون جهة أخرى والإعلام باعتباره عنصرا أساسيا في ذلك فقد شدد على إبراز دوره في ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، وإدراكا من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأهمية توفير المناخ الضروري للإعلام كي يساهم بفاعلية في مسار التنمية، وكذا محاربة الفساد التي تعتبر أولوية بالنسبة للقاضي الأول في البلاد فقد تحرك الجهاز التنفيذي في سياق تنفيذ تعليمات الرئيس في هذا الشأن من خلال تضمين مخطط عملها عمليات أساسية تتوخى ترقية دور الإعلام في المجتمع وتنمية قدراته للوصول إلى تنمية الخدمة العمومية وتكريس مبدأ حق المواطن الجزائري في الإعلام، ومساهماتها في كل الحركية التي تعرفها البلاد. وعليه فقد باشرت عملية استكمال مشروع توسيع شبكة المطابع الوطنية لتسهيل وصول النشريات إلى المواطنين عبر مختلف جهات الوطن، من خلال إنشاء مطابع جهوية في كل من ورقلة وبشار. إضافة إلى الاهتمام بفتح قنوات تلفزيونية متخصصة، وتوسيع شبكات البث الإذاعي والتلفزي والقضاء على النقاط السوداء التي لا تلتقط البرامج الوطنية الإذاعية والتلفزية على حد سواء. ويضاف إلى كل هذا إطلاق مشاريع تعنى بتكوين الإعلاميين في خطوة عملية للرفع من مستوى احترافية الإعلام الوطني بعد عقدين من فتح الساحة الإعلامية أمام القطاع الخاص، وكل ذلك بهدف ترقية الممارسة، وجعل القطاع الإعلامي يساهم فعلا في البناء بالمفهوم الواسع لهذه الكلمة. ويجمع المتتبعون من إعلاميين وأساتذة مختصين ورجال السياسة على أن لوسائل الإعلام الوطنية دورا مهما في تنظيم الحياة العامة ومكافحة كل الظواهر التي تسيء للمجتمع وإلى النسق العام وللتطور الذي تشهده الجزائر خاصة في السنوات الأخيرة. ويعتبر تدخل الإعلام في مكافحة الظواهر المشينة في المجتمع بما في ذلك الفساد والرشوة والمحاباة أساسيا ليس فقط لكشف المتورطين والجناة ولكن أيضا ل''تهذيب'' المجتمع وجعل كل الشرائح تلعب دورا إيجابيا في هذا المسعى لأن محاربة الفساد لا يقودها طرف دون آخر، بل أن انخراط الجميع فيه يظل الطريق الأمثل لاستئصال ورم الفساد في المجتمع. ولكن دور الإعلام كما يرى ذلك المتتبعون يجب أن يكون بعيدا عن لعب دور ''القاضي'' الذي يصدر أحكاما في حق المشتبه فيهم، لأنه في حال حدوث ذلك فانه سيتم تسجيل انحرافات ستكون نتيجتها عكسية لما هو مراد وهو محاربة الظاهرة، فدور الإعلام كما يقول المختصون يجب أن يتوقف دوره عند الكشف عن التجاوزات التي تحدث دون الغوص في إطلاق الأحكام التي قد تؤثر على مسار القضاء ومن ثم على مسار المحاربة ككل والذي قد تكون من نتائجه الزج بأشخاص نزهاء في السجن وترك المذنبين خارج أسوار السجون، وهذا الوضع لا يساهم أبدا في إرساء دولة الحق والقانون التي هي مطمح مختلف شرائح الوطن. ولا يتأتى مبتغى تجنيب الصحافة من الوقوع في هذه ''الانحرافات'' إلا من خلال الاهتمام بالتكوين وجعل الممارسة الإعلامية أكثر مهنية واحترافية.