لم يسبق وأن عرفت الجزائر إجراءات أكثر صرامة من تلك التي اتخذتها في الفترة الأخيرة من اجل محاربة الفساد بكل أشكاله، حيث تعاقب صدور النصوص التنظيمية والتدابير العملية المكلفة بمحاربة هذه الظاهرة منذ إعلان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في خطاب اليمين الدستورية في افريل 2009، الحرب على الفساد ومختلف الآفات الاجتماعية الأخرى. وجاء تأكيد الوزير الأول، السيد احمد أويحيى، في ختام قمة أحزاب التحالف الرئاسي مطلع الشهر الجاري، على أن الجزائر ستحارب الفساد مهما كان مستواه، ترجمة لمختلف القرارات والإجراءات القانونية التي تبنتها الدولة في الفترة الأخيرة، ولا سيما منها تلك الصادرة من أعلى هرم السلطة، حيث ألزم رئيس الجمهورية كل الإدارات والمؤسسات العمومية باتخاذ التدابير اللازمة لحماية المال العام، وفرض الرقابة على الصفقات العمومية وتحسين الشفافية في التعاطي معها، حاثا الحكومة من جهتها على التطبيق العاجل للإجراءات والتدابير المتعلقة بتفعيل مكافحة الفساد، ولا سيما منها تنصيب الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته التي تم إنشاؤها في نوفمبر 2006، وتعزيز مسعى الدولة بإحداث ديوان مركزي لقمع الفساد والمقرر إنشاؤه في شهر مارس المقبل، بصفته أداة عملياتية تتضافر في إطارها الجهود للتصدي قانونيا لأعمال الفساد الإجرامية وردعها. كما شملت الإجراءات العاجلة التي أمر الرئيس بوتفليقة باتخاذها تجديد تشكيلة خلية معالجة الاستعلام المالي التي انقضت عهدتها وتنشيط دور مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية وبنك الجزائر في مجال محاربة الفساد. ومن أجل التقليل من تأثيرات البيروقراطية وتجفيف منابع الفساد، شدد رئيس الجمهورية على ضرورة الإسراع في تحديث الأطر التشريعية والتنظيمية للأمر بالصرف في مجال تدبير الاقتصاد والمالية، وذلك من خلال التكييف المتواصل والصارم للنصوص التشريعية والتنظيمية، حتى يتأتى الحكم في قضايا الفساد المطروحة على العدالة وفقا لخطورة الأفعال المقترفة. وفي مجال تحسين الشفافية في التعاطي مع الصفقات العمومية، يتعين على الحكومة في إطار نفس الإجراءات تعبئة القدرات البشرية المتوفرة على المستوى الوطني من قضاة ونواب عامين ومحامين من أجل تشكيل على مستوى الإدارات العمومية، مناصب أو وظائف مستشارين قانونيين قادرين على إعمال الخبرة على الإجراءات المتبعة في مجال الصفقات العمومية، وتنبيه السلطات عند الاقتضاء، فضلا عن تحديد المجال الذي يبرر اللجوء إلى شركاء متعاقدين أجانب، بغرض ضمان التحكم في اللجوء المفرط إلى المتعامل الأجنبي وتثمين خبرة المتعاملين الجزائريين. وإلى ذلك تسهر الجهات المخولة قانونا على ضمان لمراقبة الملائمة، فيما يتعلق باختيار الشركاء المتعاقدين من قبل المتعاملين العموميين، مع تجميع دراسات الجدوى والمنجزة على المستوى المركزي، لإحداث بنك مراجع ومعلومات يستفاد منها في إعداد البرامج الحكومية مستقبلا. ولا تكتفي هذه الهيئات المسؤولة على تطبيق إجراءات محاربة الفساد داخل المؤسسات بالتطبيق الحرفي للأوامر الصادرة من قبل السلطة العليا في البلاد، بل ينتظر منها العمل على تعزيز بنية الإجراءات الوقائية والعملياتية التي تسهم في المحاربة الناجعة لهذه الآفة، وذلك من منطلق أن برنامج محاربة الفساد ليس مجرد حملة عابرة، وإنما قرار سياسي رصين ومهيكل ودائم يرمي إلى الحفاظ على جذوة تنمية البلاد، مثلما أكد الرئيس بوتفليقة. وكتكملة للإجراءات المعلن عنها من قبل رئيس الدولة راسل الوزير الأول الإدارات العمومية والمصالح الوزارية، يدعوها إلى تطبيق التوجيهات الواردة في التعليمة الرئاسية، معلنا في هذا السياق بأن ملف محاربة الفساد سيكون محل متابعة دورية، في إطار اجتماعات الحكومة التي ستعمل على تسريع وتيرة المداولات الخاصة بمشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المنبثقة عن توجيهات القاضي الاول في البلاد. وينتظر حسبما أعلنه السيد أويحيى أن يتم بالتزامن مع استحداث المرصد الوطني لمكافحة الرشوة، إصدار تدابير جديدة لمكافحة الفساد، تشمل تأسيس هيئة وطنية ثانية مكلفة بالوقاية من الفساد ومكافحة الرشوة، وتعيين مستشارين قانونيين على مستوى الوزارات وسائر الهيئات الاقتصادية لمواكبة سيرورة الصفقات العمومية. كما حظيت الإجراءات المعلن عنها من قبل رئيس الدولة بترحاب كبير من قبل مختلف الفعاليات السياسية والمدنية، التي دعت في المقابل إلى ضرورة حماية الإطارات النزيهة، من أي إساءة يحتمل صدورها من قبل جهات تسبق أحكامها أحكام القضاء، على غرار ما تتداوله بعض وسائل الإعلام من أحكام سابقة لأوانها في بعض القضايا محل التحقيق من قبل العدالة. وتؤكد الأولوية التي تمنحها السلطات العليا في البلاد لجهود محاربة الفساد وغيرها من الآفات الاجتماعية، الحرص الشديد على توفير كل الأجواء المواتية لمواصلة مسيرة التنمية وإبعاد كل الانحرافات التي من شأنها المساس بالسير العادي للمشاريع المسطرة، مع تهذيب الحياة العمومية وإضفاء الشفافية على كيفية تسيير الشؤون العامة وضمان المنافسة النزيهة في المعاملات التجارية، ومن ثمة وضع حد لحالة التسيب الإداري الموروث عن الفترة العصيبة التي عرفتها الجزائر في سنوات التسعينيات، وتكريس مبدأ لا احد يعلو فوق القانون.