نظم المعهد العالي العربي للترجمة أول أمس، بمكتبة المتحف الوطني للفنون الجميلة ندوة صحفية بمناسبة صدور آخر إصداراته ''نور على نور'' المتضمن لقيم أخلاقية وإنسانية مذكورة في القرآن الكريم.حضر الندوة أعضاء المجلس الأعلى للمعهد برئاسة مديرته الدكتورة إنعام بيوض التي أشارت في كلمتها الترحيبية إلى قيمة هذا الإنجاز حضاريا وعلميا. يتناول الكتاب عشر قيم أخلاقية كونية مذكورة في القرآن تمثل قاسما مشتركا عند الانسانية جمعاء، وخصصت لكل قيمة من القيم العشر ثلاث مطويات جمعت في ظرف يحمل اسم القيمة. الكتاب جاء على شكل صندوق فاخر (ثمنه 16 ألف دينار) يتكون من جزئين، الجزء الفني المتكون من 31 مطوية خصصت الأولى منها لسورة الفاتحة وتتألف سائر المطويات من 3 صفحات متصلة، حيث ترد في الصفحة الأولى لوحة زخرفية منمنمة تشغل كامل المساحة، ويرد في الصفحة الثانية التي تتوسط المطوية النص القرآني، محاطا بزخارف مستوحاة من لوحة الصفحة الأولى، أما الثالثة فتحوي ترجمة النص القرآني الوارد في الصفحة الوسطى إلى 5 لغات (انكليزية، اسبانية، فرنسية، ألمانية وايطالية). الجزء الثاني عبارة عن كتاب ملحق يتضمن عددا من النصوص تبرز الجوانب الفنية والفكرية للموضوع بقلم كبار المختصين في ميدان الدراسات والفنون العربية الاسلامية، بالإضافة إلى مقدمة بقلم الأمين العام لجامعة الدول العربية وتوطئه بقلم المدير العام للمعهد العالي العربي للترجمة. للإشارة يحفظ الجزآن في الصندوق المذكور سابقا بطريقة تسمح بتصفح الكتاب والمطويات. خلال هذه الندوة تدخل أعضاء المجلس الأعلى للمعهد وهي الهيئة العليا التي تحدد سياسة وخطة المعهدوتتابع تنفيذ برامجه ومشاريعه. أول المتدخلين كان الدكتور شوقي جلال من مصر الذي أشار إلى أن المعهد شكل طوال عقود طويلة حلما عربيا مشتركا، مؤكدا من جهة أخرى أن حال الترجمة لا يزال ضعيفا لدى العربي عكس بقية دول العالم إذ لا يترجم الوطن العربي في السنة الواحدة سوى 450 عنوانا، بينما تترجم اسبانيا 10 آلاف عنوان، كما أوضح أن المعهد الآن يسد فراغا خطيرا خاصة من حيث إعداد المترجمين الأكفاء المثقفين. في الأخير، ذكر المتدخل أن العالم الآن ينفق 500 مليار دولار على البحث العلمي وينفق 100 مليون دولار على الترجمة، مشددا على أن الترجمة لابد من أن يكملها إبداع داخلي محلي واستيعاب للمعارف الخارجية، محذرا من التبعية في مجال الترجمة للغير كالتبعية للولايات المتحدة التي تملك بنك معلومات عن الوطن العربي نضطر إلى الاستعانة به نظرا لغياب ترجمتنا. أما البروفيسور عبد الرحمن عبد ربه من اليمن فتحدث عن ازدهار حركة الترجمة على المستوى الاقليمي، محذرا من أن التهاون في تدعيمها خاصة على المستوى الرسمي سيوسع الهوة مع الآخر خاصة المتقدم منه. البروفيسور عبد الله طلال الشناق من الأردن عبر عن عدم رضاه عن مستوى الترجمة في الوطن العربي لكنه متفائل بالمستقبل علما أن الترجمة عندنا كانت قبل عقدين من الآن تكاد تكون شبه معدومة، كما أوضح أن 80 بالمائة مما يترجم حاليا خاص بالأعمال الأدبية بينما لا تمثل المادة العلمية أكثر من 20 بالمائة ومترجموها غالبيتهم غير محترفين، وطالب المتدخل بالمناسبة وضع قائمة بيوغرافية للمترجمين العرب كي لا تعاد ترجمة الأعمال التي ترجموها وتترجم أخرى جديدة أي أن كل بلد عربي لا يترجم ما ترجمه بلد عربي آخر كي لا تتشتت الجهود. توالت التدخلات في نفس المنحنى، قدمها كل من الدكتور ممدوح محمد الموصلي ممثل الجامعة العربية في المعهد والبروفيسور عبد الهادي محمد عمر تميم من السودان، والدكتور محمد سعيد الشياب من الإمارات، إضافة إلى تدخلات السيدة إنعام بيوض. الأكيد أن ''نور على نور'' هو أول طريق لمفهوم تصبح فيه الترجمة اكتشاف وكشف للآخر، مغامرة تجمع البحث والإبداع، الكتابة والرسم، الحرف واللون في فيض صوفي يتجاوز الهم السياسي الضيق. افتتح بعد الندوة مباشرة معرض للوحات المنمنمات التي تضمنها كتاب ''نور على نور'' (62 منمنمة) وهي للفنانة أحلام ب. غاردنر التي عاشت في سوريا والجزائر وبريطانيا، حيث جسدت مدى البحث البصري في عالم الألوان والأشكال المجردة عن القيم الانسانية في النص المقدس، إنها رحلة جديدة وغوص غير تقليدي في القرآن الكريم عبر اختيارات لخطوط ابتكر أسلوبها الفنان المغاربي نور الدين ضيف الله لتتحول الكتابة الى رسم والنصوص المقدسة إلى نور على نور جديد. للتذكير فإن المعهد العربي العالي للترجمة افتتح أبوابه في الجزائر سنة 2004 وتخرجت منه 5 دفعات كل منها ب30 طالبا من مصر والسودان وتونس، لبنان، سوريا، العراق، اليمن، فلسطين وجزر القمر، مع الحرص على التفاعل بين منهج وضعه كبار المختصين وبين مستوى الخبرات التي تمنح لطلاب يتخرجون بدرجة الماجستير في الترجمة الفورية أو التحريرية. أثناء الندوة حرص الخبراء في جوابهم على سؤال ''المساء'' الخاص بندرة الترجمة العلمية وتباين المصطلحات وانتشار الترجمة الركيكة على أن مشاريع واستراتيجية المعهد خاصة من حيث التكوين كفيلة بسد العجز والنقائص خاصة في ظل التعاون العلمي والدعم المالي الذي تقدمه الدول العربية لأن المعهد بلا تمويل كمن ''يذهب إلى الهيجاء بدون سلاح''.