يشرع الرئيس الأمريكي جورج بوش اليوم في جولة إفريقية هي الثانية من نوعها تدوم أسبوعا وتشمل دول البنين وتنزانيا ورواندا وغانا وليبيريا·وأعلن ستيفان هادلي مستشار الرئيس الأمريكي للأمن الوطني، أن الرئيس بوش سيناقش خلال زيارته هذه عدة مسائل متعلقة بالتنمية الاقتصادية ومحاربة داء السيدا وحمى المستنقعات ومرض السل، إضافة إلى مسألة ارتفاع المبادلات التجارية والاستثمارات بين دول القارة والولاياتالمتحدة· ولكن وحتى وإن كانت زيارة الرئيس بوش تأتي في نهاية عهدته إلاّ أنها تحمل دلالات سياسية كبيرة من وجهة نظر الاستراتيجية الأمريكية للقارة الإفريقية كمنطقة صراع مستقبلية بين القوى الكبرى·وتحركت الدبلوماسية الأمريكية وسط معطيات أفرزتها التحولات الدولية الأخيرة أهمها الزحف الصيني الذي أصبح يؤرق الولاياتالمتحدة وزاد من مخاوفها في ظل تراجع القوى الاستعمارية التقليدية التي فقدت تأثيرها على مستعمراتها القديمة بزوال أنظمتها التي تلت استقلالها· وتريد الولاياتالمتحدة وفق هذا المعطى ملء الفراغ الذي تركته فرنسا وبريطانيا وحتى البرتغال وألمانيا، وعدم ترك الساحة الإفريقية "العذراء" للخصم الآسيوي الأصفر الذي كشّر عن أنيابه وأصبح يولي اهتماما كبيرا لقدرات القارة الإفريقية وخيراتها الطبيعية التي لم تستغل بعد من أن تكون مصدرا للابقاء على وتيرة تنمية اقتصادها التي أصبحت تخيف القوى الصناعية بما فيها الولاياتالمتحدة نفسها· وتدرك واشنطن أهمية القارة من حيث مخزونها الضخم من النفط في خليج غينيا وعديد الدول الواقعة جنوب افريقيا والتي تسعى لأن تجعل منها خزانا رئيسيا لوارداتها من هذه المادة الحيوية بهدف بسط هيمنتها الاقتصادية في العالم· ويبدو أن هذا الصراع سيكون حادا بين واشنطن وبكين إذا أخذنا بخلفية صراعهما الكبير الدائر حاليا في إقليم دارفور غرب السودان· إضافة إلى أن الولاياتالمتحدة تريد أن تضمن عن طريق التحرك الدبلوماسي التوازن ما بين استمرار هيمنتها الاقتصادية وقوتها العسكرية ففي الوقت الذي تولي فيه اهتماما لبسط سيطرتها على خيرات القارة تعمل بالتوازي مع ذلك على ضمان الأمن من خلال سيعها إلى إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية اصطلح على تسميتها "الأفريكوم" تكون أداتها العسكرية لحماية مصالحها في كامل أنحاء القارة، وهي الغاية الثانية من وراء جولة الرئيس بوش والذي سيعمل ضمن أهدافه على ايجاد دولة افريقية تقبل باحتضان قاعدة "الأفريكوم" على أراضيها· وكانت عديد الدول الإفريقية رفضت إقامة قاعدة عسكرية أمريكية ليس فقط على أراضيها بل عبر كامل تراب القارة· للإشارة فإن الولاياتالمتحدة كانت قد وضعت قانونا خاصا بتنمية إفريقيا في مسعى لجلب اهتمام الدول الإفريقية للسوق الأمريكية· وسمح هذا القانون منذ عام 2000 لحوالي 40 دولة للدخول إلى السوق الأمريكية دون أعباء جمركية إلى غاية 2015 ·