بعد انطفاء شمعة الدهاليز من منا باستطاعته إضاءة العتمة وإشعال الكلمات؟ تعود الجاحظية إلى الحياة بعد أن نفض كتابها أقلامهم حبرا ودموعا على رحيل شيخ الروائيين الجزائريين عمي الطاهر، وبعد أن وقفت الجاحظية بمجموعها وجموعها أول أمس وقفة ترحم وعرفان أمام روح المبدع الراحل في ذكرى مرور أربعين يوما على وفاته، قال المثقفون والمحبون والقراء كلماتهم، ولكن ماذا تقول الرواية والمواقف والرجولة بعد غياب عمي الطاهر؟ هذا ما حاول البعض إبرازه في أربعينيته. كان منبر الجاحظية مساء أول أمس موقفا للكلمة والذكرى واعترافا برجل ملأ الساحة الأدبية والثقافية ومازال يملأها رغم رحيله، أربعينية الطاهر وطار كانت بدايتها كلمة وفاء وخاتمتها مواصلة طريق. أول المتكلمين كان الدكتور عمار طالبي ممثل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حيث بدأ كلمته بآيات قرآنية مذكرا أن الطاهر وطار ترك ما ينفع الناس لأنه صاحب رأي وصراحة ولا يقبل الإملاء والإكراه فكان من تلاميذ جمعية العلماء ومن تلاميذ الزيتونة وكان شخصية وطنية وفي فقدانه فقدنا الصراحة والرأي المستقل وفقدنا قلما روائيا طالما أثارت رواياته الإعجاب والنقد والترجمة، إننا اليوم إذ نجتمع لتأبينه يقول الدكتور عمار طالبي وذكر مناقبه نكرم فيه الرجولة والشهامة والتواضع والإبداع والابتكار ونكرم فيه هذا العمل الذي تركه لنا في هذا النادي الجاحظية. وأضاف ممثل جمعية العلماء في أربعينية وطار إننا نكرمه لأنه يستحق التكريم وندعو أن يهتم الكتاب بأعماله الفنية. أما الدكتور بوزيدة فقد استعرض في كلمته قيمة الأعمال الأدبية للراحل الطاهر وطار فقد قال الطاهر وطار الأديب المثقف الذي لا يمكن الحديث عن الأدب الجزائري المعاصر دون الحديث عن الطاهر وطار. فطاهر وطار يقول بوزيدة أرخ للأدب الجزائري المعاصر، حدثنا عن الصراع في بدايات الاستقلال ''الزلزال'' التي تزامنت مع الثورة، يتحدث عن الصراع السياسي الذي دار حول الثورة الزراعية ''العشق والموت في الزمن الحراشي''، ''الحوات والقصر'' التي رصد فيها مستويات الوعي الجزائري بسقوط السلطة، تنبأ بالأزمة في ''الشمعة والدهاليز'' و''الولي الطاهر يعود إلى مقامه الزكي'' تحدث عن الصيرورة رغم مرضه في ''قصيد في التذلل'' منتقدا المثقفين ودعوتهم لتحويل المجتمع إلى الأصلح، كما انتقد التنكر الذي بدأ يحصل للثورة في ''الشهداء يعودون هذا الأسبوع'' كما تناوب على المنبر كل من ممثل وزيرة الثقافة الذي وعد بنشر أعمال الطاهر وطار كاملة وستكون جاهزة في معرض الصالون الدولي للكتاب من قبل وزارة الثقافة. كما تحدث ممثل اتحاد الكتاب قاسم بن سعيد عن الطاهر وطار واعتبره رجلا من رجالات الجزائر الذين قدموا كثيرا للوطن في الثقافة والثورة، واعتبره أبا للمبدعين الشباب ومكتشفهم. أما أبلغ الكلمات وأكثرها فنية وأدبية تلك الكلمة التي ذرفها الدكتور أحمد منور وتجاوب معها الحضور والتي قال في مستهلها: ''كتبت هذه الكلمة من أجل أن أقرأها على سي الطاهر ولكن أرى بأنها مازالت مناسبة لهذه المناسبة''. أحمد منور تكلم عن الخسارة الجسيمة في فقدان أديب بحجم الطاهر وطار حيث أكد على صعوبة الموقف وعظمة الخطب، وما أعجب الكلمات لأن الخسارة فادحة والخطب جلل والفراغ الذي تركه كبير ليسأل في الأخير الطاهر وطار قائلا: ''أيها المترجل عن جوادك هل قلت كل ما كنت تنوي قوله''؟. أما الأستاذ علي ملاحي فقد اعتبر وطار ظاهرة أدبية، إبداعية، حيوية وشخصية مفتوحة لحوار لا ينتهي، وتجربة لا تتكرر في السرد العربي، كان صعبا لكنه كان عملة نادرة. أقلام ووجوه ثقافية كثيرة تداولت على منصة التأبين ومنبر الاعتراف بعظمة الرجل ولو جمعنا كل ما قيل وكل ما سيقال عن شيخ الروائيين الجزائريين مع ذلك نبقى مقصرين في حقه. لأنه الرجل الذي لا يقبل المساومة في مبادئه والرجل الذي حارب على عدة جبهات في وقت واحد انتصر كثيرا ولا يعرف الهزيمة أبدا ولو أقربها كما قال لانتحر ووضع حدا لحياته. وطار بكل قامته الأدبية وشموخه الرجولي يبقى بصمة واضحة على الأدب العربي رواية والأدب الجزائري جبلا من جبال الثقافة