أكد الأستاذ محمد عباس أن الثورة الجزائرية عظيمة ونتج عنها ثورة مضادة أعظم بعد الاستقلال، مضيفا أنه كان من واجب جبهة التحرير أن تتحوّل إلى جبهة بناء بعد تحقيق الحرّية وهذا بالاعتماد على دعامتين الأولى اقتصادية منتجة وغير ريعية تمكن البلد من الدخول إلى السوق الاقتصادية العالمية لضمان حد أدنى لكرامة الشعب والثانية ثقافية وطنية تحمي المواطن من الضياع. وتطرق عباس في محاضرته التي ألقاها أول أمس بمقر جمعية ''الجاحظية'' تحت عنوان ''الثورة الجزائرية ...فكر وحدث''، إلى مشاهد من الثورة التحريرية فقال أن مجازر الثامن ماي 1945 كانت بحق الفاصل بين نهاية المرحلة الإصلاحية التي تدعو إلى تغيير وضع الجزائريين بطرق سلمية مثل المشاركة في الانتخابات وبين بداية مرحلة الاختيار الثوري كنظام فكر وعمل. وفي هذا السياق أكد المحاضر أن مجازر ماي أحدثت نوعا من الفرز الطبيعي حيث انسحب كل متردد في رفع السلاح واستقر كل متيقن بضرورة خوض حرب عسكرية ضد المحتل، مضيفا قوله أن الشهيد بلوزداد اعتبر أن كل مسئول يزكي مناضلا غير كفؤ فهو خائن. وأشار عباس إلى أنه تم التحضير لهذه الثورة نظريا وتطبيقيا بحيث تم التطلع والتمعن في تجارب الدول والحركات التحريرية التي رفعت السلاح ضد المحتل، أما على الصعيد العملي فقد تم تشكيل طليعة ثورية في المؤتمر الأول لحزب ''حركة انتصار الحريات الديمقراطية'' وهذا في 15 فبراير1947 ببلكور، حيث أنشئت منظمة سرية شبه عسكرية تحت اسم المنظمة الخاصة بقيادة محمّد بلوزداد، في حين أعطيت مسؤولية تأسيس العلاقات الداخلية والخارجية لمحمد أمين دباغين. وأضاف عباس أن دباغين سافر إلى القاهرة طلبا للدعم المالي والسلاح، فكان رد المسؤولين هناك أن المال موجود ولكن السلاح متعذر بفعل الحرب ضد اليهود، بالمقابل طالب حسين آيت احمد بضرورة اتخاذ القرار المناسب، إما القيام بالثورة أو تجميد المنظمة إلى حين استعداد الجميع للحرب. وأشار المحاضر إلى أنه طرحت إشكالية مهمة تتمثل في هوية الأشخاص الذين سيقومون بالثورة هل هم من الجيل الذي قام بعملية التحسيس بضرورة حمل السلاح أم الجيل الجديد والثوري، كما تم في المؤتمر الثاني للحزب، اتخاذ قرارين مهمين وهما عدم المشاركة في الانتخابات وإعادة بعث المنظمة لتحضير الثورة. وتواصلت الأحداث التاريخية المتعلقة بهذه المرحلة الحساسة، إلى غاية إصدار لجنة الستة المتكونة من محمد بوضياف والعربي بن مهيدي ومصطفى بن بولعيد ورابح بيطاط ومراد ديدوش وكريم بلقاسم، بيانا شرحت فيه أسباب القيام بالثورة وفي هذا السياق قدم بن بلة هذا البيان إلى إذاعة صوت العرب بمصر لكي تذيعه إلا أن مسؤوليها رفضوا ذلك وطالبوا بقيام الجزائريين بثلاثين عملية فدائية، كشرط لإذاعة البيان ليتم في الأخير تحقيق ذلك بعد العملية الفدائية التي حدثت في بوفاريك. وعن علاقة مصالي بالثورة الجزائرية، قال عباس أنه تم في أواخر الأربعينات طرح إشكالية هوية قائدي الثورة مضيفا انه عمليا كان من المفروض أن يكون مصالي زعيما شرفيا للثورة ولكنه رفض ذلك، مضيفا أن فيدالي وهو صديق مصالي حمل رسالة هذا الأخير إلى بوضياف الذي كان في اجتماع مع القاعدة الحزبية بباريس ولكن بوضياف تجاهل هذه الرسالة لأنه لم يكن يريد أن يصل خلاف المصالييين مع الثوريين إلى القاعدة وهو الأمر الذي اعتبره مصالي تمردا عليه. وأضاف عباس أن الثوريين أرادوا تهريب مصالي من إقامته الإجبارية، لكنه رفض ذلك، مشيرا الى أن أعضاء الجبهة كانوا قلقين من موقف مصالي إلى درجة أن الشهيد ديدوش مراد طلب قتل مصالي ووضع هذا الفعل على ظهر الفرنسيين، وفي هذا الصدد أضاف المحاضر أن المصاليين لم يكونوا مستعدين للثورة عكس أعضاء المنظمة الذين كانوا مدربين ومعظمهم من العسكر، علاوة على تبني الشعب للثورة وإيمانه بضرورة القتال لتحقيق الاستقلال-.