في مسرحية ريشار ديمارسي ''أوي لونا''، تحرس ساحرتان الغابة وتنمو حدبتان على ظهريّ رجلين، ويطفو ضوء من القمر على الأرض، وتحدث أمور أخرى في هذا العالم الغريب والجميل في آن واحد. تحكي أحداث مسرحية ''أوي لونا'' التي عرضت أول أمس بقاعة ''الموار''، ومن إخراج الفرنسي ريشار ديمارسي، قصة رجلين تنمو على ظهريهما حدبتان، بفعل الملفات الخطيرة التي يكتبانها على الآلة الراقنة والتي تعنى بمواضيع خطيرة وضارة بالمجتمع، وفي مقدمتها مسألة قطع أشجار الغابة التي يعيشان بجوارها. نعم، لقد أدى اهتمام الرجلين بملفات ساخنة وضارة بالشعب، إلى تحولهما أحدبين وهو ما لم يتحملاه، فأصبحا لا يكفان عن الشكوى من تهكم الناس على حالهما، بل أيضا من معايرتهما ليلا نهارا بهذا المصاب، الذي جاء كعقاب لهما على شرّهما وعدم إحساسهما بالمسائل التي تمس الإنسان بالدرجة الأولى. وفي يوم من الأيام، توّجه الرجلان إلى القرية المحاذية للغابة بغرض نقل ملف معيّن، وبينما كان الأحدب الثاني يقطف الأزهار، رأى الأحدب الأول ظلا ينتقل بسرعة كبيرة، فقرر أن يتبعه ليجد نفسه في مفترق طرق كبير وهناك سمع أصواتا غريبة فتملكه الخوف. وفجأة ظهرت ساحرتان إلى العلن، وشرعت إحداهما في الصراخ قائلة ''الخميس، الجمعة والسبت''، فأعاد صاحبنا ما قالته الساحرة السوداء ولكنه شعر برعب كبير حينما أمسكت الساحرة بالملف الذي كان بحوزته وقرأت مضمونه بصوت مرتفع ''إصدار قرار بقطع أشجار الغابة''، فزمجرت عاليا ''كيف تقطع الأشجار، كيف تنتهي الحياة بهذه السهولة''، ومّزقت الملف بقوة كبيرة، أما صاحبنا فلم يعد يهمه أمر الملف في أي شيء فالمهم بالنسبة له هو الخروج من الغابة حيّا ولكنه لم يكن يشك لحظة واحدة أنّ تخليه عن الملف سيعطي له حياة أخرى...من دون حدبة، حيث قررت الساحرة السوداء أن تحقق له حلمه في نزع الحدبة من على ظهره، أما الساحرة البيضاء فقد صاحبت عملية التغيير بالغناء بصوت مدوى. وتغيّر الأحدب الأول فلم يعد أحدبا، بل أصبح مستقيما باستقامة أفعاله وتخليه عن الملفات التي تضر بالبيئة والإنسان، وماذا عن صاحبنا الأحدب الثاني؟ هذا الأخير لم يجد بدّا من البكاء على فقدانه صديقه حتى أنه لم يتعرف عليه حينما التقى به مجددا، فقد عرفه أحدب وهاهو تحول إلى رجل مستقيم، ''حقا لهي معجزة'' يقول صاحبنا، فيجيبه الأحدب الأول إنه بإمكانه أن يصبح مثله، وهذا لو ذهب إلى مفترق الطرق بالغابة والتقى بالساحرتيّن. وقرر الأحدب الثاني أن يحذو حذو صاحبه وفعل ذلك، إلا أنه ارتكب خطأ جسيما حينما قال ''الخميس الجمعة السبت والأحد''، وهنا حدثت الطامة الكبرى، فالساحرة لا ترضى بقول''الأحد''، فهي تؤمن بالرقم ثلاثة ونطق يوم الأحد بعد الخميس والجمعة والسبت، يحوّل رقم ثلاثة إلى أربعة، وتغضب الساحرة السوداء وتقرر معاقبة الأحدب الثاني بإضافة حدبة جديدة له...كم هو مسكين صاحبنا. ويذهب الأحدب الأول لملاقاة الأحدب الثاني، فيصاب بصدمة كبيرة وهو يرى صديقه بحدبتين، ولكن سرعان ما تزول صدمته حينما يعرف خطأ صديقه الذي ارتكبه، والذي أدى به إلى هذا المصاب فيطلب منه أن يذهب مرة ثانية إلى الساحرتيّن وأن يطبق ما طلب منه بحذافيره، فيستجيب الأحدب الثاني لكل مطالب الساحرتيّن ولم يعارض أيضا تمزيق ملفه فيتحول بذلك إلى رجل صالح وبالتالي يفقد حدبتيه إلى الأبد. للإشارة، جاءت هذه المسرحية التي عرضت أمس بالمسرح الجهوي لسكيكدة في طابع طفولي، كما جاء الديكور والأزياء على نفس الشاكلة، حيث وضع الأحدبان أصبغة على وجهيهما، أما الساحرتان فقد استعملتا الدمى والعصي، كما أراد المخرج من خلال عمله هذا إبراز أهمية أن يناصر الإنسان القضايا العادلة التي تمس الحياة في صميمها مثل الحفاظ على الغابة، مظهرا في السياق نفسه عاقبة كل من يخالف الطبيعة من خلال رمزية نتوء حدبة على ظهر الفاسدين. بالمقابل، نوّه مخرج العمل باختياره لممثلين من أصول مختلفة في عمله، وهو ما يعبر حقيقة عن تنوع المجتمع الفرنسي، حيث قدم هذا العمل من طرف كل من أنطونيو داسيلفا من البرتغال، قاوو من أنغولا، ماريان راموس من الرأس الأخضر ونيكولا لوبوسو من فرنسا-.