''الايمان بالله وبالإسلام وبالثورة الجزائرية''، يقول المجاهد باسطة: ''هذا هو العنوان الذي اخترته لكتابي، لأنه يعكس بالنسبة لي وبالتأكيد لكثير من المجاهدين الذين أعلوا كلمة الله قبل أن يسقطوا شهداء في ساحة المعركة، الوجه الحقيقي لهذه الثورة ولا غير''، والكتاب الذي يتربع على صفحة يرسم هذا الوجه لملامح الثورة الجزائرية، الكتاب صدر عن دار الهدى - عين امليلة - الجزائر. وأنا أقرأ هذا العمل الضخم من المقدمة إلى آخر كلمة، أحسست بصدق الطرح وبالإيمان الذي كان يفيض على قلوب المجاهدين الفدائيين وهم يساقون الى المقصلة مرددين ''الله أكبر تحيا الجزائر''، عظيمة هي الثورة الجزائرية برجالها، وأعظم ما في هذه الثورة هم الرجال الذين آمنوا بالله ثم بالوطن فكانوا في مستوى هذا الإيمان. كتاب المجاهد أرزقي باسطة ''مواقف وشهادات عن الثورة الجزائرية إيمانا بالله والإسلام''، أشبه بسيناريو يلتقط كاتبه كل صغيرة وكبيرة ويضعها في موضعها، بل يمكن للقارئ أن يعتقد أنه ''رواية'' أدبية، لأن في الكتاب السرد الروائي الأدبي المشوق الذي يجعل القارئ ينغمس في الأحداث من غير ملل رغم حجم الكتاب الضخم. يأتي هذا الكتاب كما سبق أن قلت أشبه برواية أدبية لم يشأ الكاتب أن يضع لها أبوابا أو فصولا، تاركا القارئ يجتهد لنفسه ليضع لها الأبواب والفصول ويقسمها إلى المراحل التي يراها مناسبة والأحداث التاريخية التي جرت فيها الوقائع التاريخية، ومن هنا أستطيع القول أن الكتاب يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل : مرحلة ما قبل الثورة ( - )، مرحلة الثورة ( - ) ومرحلة الاستقلال ( - ). أما الفصول فهي تعد كثيرة ابتداء من المقدمة التي اعتبرها فصلا من فصول الكتاب، ثم مرحلة دخول النضال السياسي في سن مبكرة، مظاهرات ( ماي ) ومن ثم المنظمة السرية والأزمة البربرية والمركزيين والمصاليين ولجنة الثورة والعمل والإعداد للثورة ثم انفجارها، كل هذه الأحداث المتسارعة والمكثفة نجدها في هذه الشهادات الحية التي ترصد لنا في طياتها صورا من النضال السياسي والعسكري. البداية يمكن من خلالها التعريف بالمجاهد باسطة، والتي دونها في المقدمة الطويلة للكتاب التي دارت على زهاء صفحة. ''ولد المجاهد باسطة أرزقي يوم نوفمبر ، بالسكن رقم شارع عبد الرحمان بوصورة (شارع زاما سابقا) بأحد الأحياء الفقيرة، حي قصبة الجزائر العتيقة، من أبوين ينحدران من نسل رجل صالح (مرابط) يدعى محند عيسى من أبناء الولي الصالح ''سيدي يحيى'' دفين قرية سيدي يحيى ببلدية أزفون (ميناء جيدون سابقا) ولاية تيزي وزو. المقدمة كما يعترف الكاتب اعتمدت كثيرا على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والتي رسخت المثل العليا التي تكونت منها بنية الشخصية الوطنية الجزائرية التي بثتها مدرسة ''حزب الشعب'' و''الكشافة الإسلامية''، وعلى هذا المبدأ الذي يعتبره المؤلف أساسا لحياته وفلسفة وجوده، وهي قبل كل شيء الإيمان بالله، يبدأ تدشين عمله النضالي من أجل تحرير الجزائر. يصور لنا الكاتب في البداية طفولته، تفوقه في مادة الرياضيات في المدرسة إلا أنه لم يواصل دراسته ويعتبر نفسه متمردا ويدخل ميدان العمل صغيرا ثم يكتشف الفرق بين الجزائري المسلم والمحتل، ويسرد علينا كيف بدأ يواظب على الصلاة وكيف التحق بمركز التكوين المهني بحسين داي ليتخرج بناء، ومحاولة الشيوعيين استدراجه إلى صفوفهم عن طريق الإغراءات وغيرها من الأساليب التي يعرفون بها، إلا أنه كان ينتمي لحزب الشعب الجزائري ثم حزب انتصار الحريات الديمقراطية. يمضي بنا المجاهد باسطة من خلال شهاداته إلى انقسام الحزب بين مصاليين ومركزيين وإنشاء لجنة الثورة والعمل ثم تفجير الثورة، وليتحدث عن الإعداد الذي سبق الثورة وأنه كان على رأس مجموعات قتالية هي التي باشرت العمل المسلح بالقصبة بعد إلقاء القبض على خلايا فدائيي جبهة التحرير الوطني. يتكلم الكاتب عن المخططات العملياتية التي كانوا يعملون على إنجازها، ومنها عدة اختطافات تمسّ الشخصيات الفرنسية. كما يروي لنا قصة العراك بين اثنين من مجموعته والمجاهد رابح بطاط حين حاول هذا الأخير إدخال يده في جيبه. يروي كذلك اللقاء الذي كان يجمعه بكل من أعمر أو عمران وكريم بلقاسم في بيته وبوضياف. تكلم أيضا المجاهد باسطة عن المحكوم عليهم بالإعدام في سجن سركاجي ومشاهد الحكم بالإعدام والمجاهدين الذين كانوا يساقون إلى المقصلة وهم يرددون ''الله أكبر تحيا الجزائر'' من أمثال الشهيد أحمد زهانة (زبانة)، تكلم عن اندلاع الثورة ومشاركته في مؤتمر أرنو ببلجيكا، بعد أن ذهب من هناك بنصيحة أخيه الى كل من تركيا، لبنان ومصر عن طريق أوربا حتى لا يقع في يد البوليس الفرنسي، تكلم أيضا عن لقائه بقادة الثورة في مصر ثم سرقته للأموال التي كانت بيد أحد المناضلين الكبار الذي أراد أن يفشل من خلالها منطلق الثورة وتقديمها للثورة إلا أن السلطات المصرية أعادتها لصاحبها. يمضي المجاهد باسطة ليسرد علينا قصة خروجه من مصر والتحاقه بليبيا من أجل إدخال السلاح الى الجزائر وكيف يلقى عليه القبض وذلك من خلال عميل للمخابرات الفرنسية كان مع المجموعة التي كلفت بهذه المهمة، وكيف نقل إلى تونس ومنها إلى الجزائر بسجن سركاجي وتيزي وزو. ويروي السيد باسطة كيف استفاد من العفو الذي مسّ السجناء بمناسبة استقلال تونس، لأنه القي عليه القبض في تونس فيطلق سراحه، ثم يصور إضراب العمال سنة بالجزائر العاصمة وإلقاء القبض على الخلايا الفدائية بعد أن أعطي لها الأمر بأن تبقى في مواقعها ولا تلتحق بالجبال. ويروي المجاهد باسطة كيف استطاع بفضل أحد المعارف أن يحوز على ورقة تصرح له بالسفر، حيث يسافر عن طريق البحر الى فرنسا ويحكي الأحلام أو الرؤى التي كان يراها وتتحقق في الواقع. ويتحدث المجاهد باسطة عن سفره من فرنسا إلى روما ومن ثم الى تونس، ثم يروي بالتفاصيل كيف استطاعت المخابرات الفرنسية أن تخترق الثورة في أعلى قيادتها بعد اختطاف طائرة القادة الخمسة، يتكلم أيضا عن التمردات والمشاكل التي وقعت في القاعدة الشرقية والتصفيات، ثم كيف ألقي عليه القبض واتهم بالخيانة وعذب ثم تظهر فيما بعد براءته، وكيف أنشأ مركز أبناء الشهداء بتونس، ثم بعد الاستقلال بالجزائر ومدرسة الشرطة بحسين داي، ثم مدارس الشرطة الأخرى في كل من الغرب الجزائري والشرق الجزائري. ويقول في هامش الكتاب بعد كتابته النهاية ''الحاج باسطة أرزقي بن محمد بن لحاج بن سعيد بن محند بن عيسى بن يحيى قرية سيدي يحيى، إيسكرين، عيشوبة، آيت عيسى (بلدية أزفون) الجزائر العاصمة . ويقول المؤلف ''سلمت نسخة مسودة من هذه المذكرات للأخ الرئيس هواري بومدين () ولعقيدين آخرين، ولقائد أركان الجيش () ولأحد الوزراء () وكذا لمصالح الأمن (). ولا ينسى السيد المجاهد باسطة مبادرات الصلح التي كلف للقيام بها بين الإخوة في كل من تونسوالجزائر من قبل قادة الثورة. الكتاب من القطع العادي يتوزع على صفحة ويحتوي على ملحق للصور وللرسائل وما كتبته الجرائد.