اعتبر الدكتور عمار طالبي أستاذ الفلسفة ونائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أن ''الحرة'' ظاهرة انتحارية، لان الشباب يهربون في مراكب هشة ويعلمون أنهم قد يغرقون في البحر، لكنه في المقابل ربط ''الحرقة'' ب ''الحرة''. وقال ان استفحال ظاهرة الانتحار بالجزائر راجع الى ''الظلم وضيق المعيشة التي سلطت على الشباب باعتبارهم اكبر فئة تلجأ الى الانتحار''، محملا مسؤولية تنامي الظاهرة للجميع بدءا من الأسرة والمدرسة وصولا إلى الإعلام والإدارة ، مطالبا بضرورة ''تيسير الحياة للناس''. وبالرغم من أن الدكتور طالبي خصص محاضرته التي ألقاها في الندوة المنظمة بالمركز الثقافي الإسلامي مساء أول أمس حول ''الانتحار أسبابه وطرق علاجه'' للجانب الديني الذي يحرم الانتحار مهما كانت طريقته، مستشهدا بآيات من الذكر الحكيم وأحاديث نبوية شريفة، فإنه اعترف بأن تزويد الشباب بالخطاب الديني ليس كافيا، مؤكدا على ضرورة إيجاد الحلول للمشاكل التي يعيشها الشباب. وفي تحليله لظاهرة ''البوعزيزي'' وهو الشاب الذي انتحر حرقا في تونس موقدا شرارة ثورة أطاحت بالرئيس التونسي-ورغم تأكيده على حرمة فعل الانتحار حرقا مثل غيره من طرق الانتحار شرعا- قال ان السبب الرئيس الذي دفع الشاب التونسي الى ذلك الفعل هو ''الاهانة'' التي شعر بها بعد منعه من البيع وصفعه وقال ''البوعزيزي أهين في كرامته...وكأن هؤلاء قتلوه في وجوده...فأصبحت حياته بلا معنى''. لكن المحاضر ظل مصرا على القول بأن الانتحار عملية محرمة شرعا وأن فاعلها سيكون مآله جهنم بدليل عدد من الآيات والأحاديث التي ذكّر بها، ولم يتردد في وصف الانتحار ب''الجريمة الكبرى''. وأكد أن الانتحار يعكس عجزا عن مواجهة الصعاب في حين أنه على الشباب المؤمن أن يواجه مشاكله بالصبر وأن لا ييأس من رحمة الله، كما انه اعتبر أن الانسان لايملك نفسه وليس من حقه بالتالي أن يضرها. وإذ دعا الى ضرورة تيسير سبل الحياة بدل تعسيرها، مشيرا إلى الضيق الذي يشعر به الناس في كل مكان ''في الشارع، في وسائل النقل، عند قيادة السيارة، أثناء البيع أو الشراء، عند البحث عن سكن...الخ''، فإنه عبر عن اقتناعه بأن المشاكل الاقتصادية ليست السبب الوحيد للانتحار عموما ضاربا المثل بتسجيل اكبر حالات الانتحار في بلدان متطورة على رأسها اليابان. أما عن علاج الظاهرة، فقال انه يتم بالتحصين والتربية اللينة الخالية من القهر والقسوة، وتوسيع الآفاق في المدارس وعدم استعمال أساليب العقاب والضغط، التربية الدينية التي تدفع الشباب الى تعلم مواجهة الصعاب بدل الإضرار بأنفسهم، نشر المعاملة الجيدة بين الناس، واختيار وسائل الإعلام للمضامين التي تقدمها لاسيما الأفلام. من جانبها أشارت الدكتورة فضيلة بوعمران أستاذة الطب الداخلي بمستشفى نفيسة حمود والباحثة في الشؤون الإسلامية الى عالمية ظاهرة الانتحار مستشهدة ببعض الأرقام عن الانتحار في الدول الغربية لاسيما اليابان التي تعرف اكبر عدد من المنتحرين سنويا، وقالت ان الظاهرة أصبحت ''مسألة صحة عمومية'' بدليل تخصيص منظمة الصحة العالمية ليوم عالمي من اجل مكافحة الظاهرة التي يذهب ضحيتها مليون شخص سنويا. وبدورها اعتبرت انه من الخطأ الاكتفاء بالخطاب الديني لمعالجة الظاهرة، مؤكدة على ضرورة تطعيمها بحجج أخرى ثقافية وفكرية. وقالت إن أسباب الانتحار مختلفة منها نفسية، اجتماعية، اقتصادية وتنعكس مثلا في حالات الاكتئاب التي يمكن علاجها، والتفكك الأسري بالنسبة للمراهقين وقضايا الشرف بالنسبة للفتيات، وضيق المعيشة. تضاف إليها الأسباب السياسية التي لاتعد وليدة اليوم كما يعتقده البعض، إذ سجل التاريخ حالات انتحار لأسباب سياسية، ولكنها اعترفت ان أسوأ طريقة للانتحار من المنظور الإسلامي هي ''الحرق بالنار''. ولأن الأسباب كثيرة، فإنها دعت الى تضافر جهود كل الأطراف من اجل التصدي للظاهرة. وقالت ''يجب أن يجتمع مختصون في ميادين عدة ويعدون دراسة تقدم الى المسؤولين الذين عليهم وضع خطة عملية قابلة للتنفيذ... والمجتمع المدني يلعب دورا كبيرا''. وعبرت عن اقتناعها بأن التصدي للظاهرة يتطلب اتخاذ قرارات سياسية، لان المجتمع ينهض ''بالشباب وليس بالشيوخ''. مشيرة الى أن ''من يقود معركة التغيير في تونس ومصر هم الشباب''. وأضافت ''هذه الشريحة تعاني اليوم ظروفا قاسية ينبغي علينا الأخذ بيدها ومساعدتها وإيجاد حلول لها''. ويعاب على الندوة خلوها من المختصين الذين يتعاملون بصفة مباشرة مع ظاهرة الانتحار، وكذا غياب أرقام خاصة بالجزائر، والاكتفاء بإحصاءات عن بلدان غربية لا تعد أسباب الانتحار بها نفسها ببلادنا.