ماذا كان يُخفي وزير الخارجية السوري وليد المعلم عندما أكد أنه سيفضح الكثير من القضايا في نهاية القمة العربية العشرين، وتلميحه إلى وجود مخطط لإفشال هذا الموعد العربي مع سبق الإصرار·وإذا كان رئيس الدبلوماسية السورية لم يتهم أيا من الدول العربية إلاّ أنه وجه أصابع الاتهام الى الولاياتالمتحدة بلعب دور محوري في هذا الاتجاه من خلال الحركات المكثفة لمسؤوليها في المنطقة العربية· وتنطلق اليوم بقصر المؤتمرات بالعاصمة السورية دمشق أشغال القمة العربية بجدول أعمال مثقل بحوالي ثلاثين نقطة ولكن بمشاركة 11رئيس دولة وحكومة عربية فقط من مجموع 23 دولة عربية مشكلة للجامعة العربية· ولم يسبق للقمم العربية أن عرفت اجواءً من التوتر والاتهامات المضادة بمثل ما عرفته قمة اليوم التي تعقد لأول مرة في سوريا منذ إنشاء الجامعة العربية قبل ستة عقود· ويمكن القول أن من اختاروا لقمة دمشق تسمية قمة "التضامن العربي" قد فشلوا هذه المرة في وضع الشعار اللازم في وقت لم يعرف فيه الراهن العربي مثل الشرخ الذي يعرفه الآن، بل أن هذا الموعد كان مناسبة لتكريس القطيعة علنا بين دمشق والعديد من العواصم العربية الأخرى· وفي شكل قرار جماعي قررت معظم الدول الخليجية ومصر واليمن والمغرب والعراق حذو القرارالسعودي بتقليص درجة التمثيل إلى أدنى مستوى يمكن للسلطات السورية أن تقبله في وقت قررت فيه الحكومة اللبنانية مقاطعة اللقاء على خلفية الصراع المعلن والمستتر بين بيروتودمشق على خلفية العلاقة التاريخية بين البلدين· ولم يكن بإمكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم في اللقاء الصحفي الذي عقده رفقة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى نهاية الأسبوع، كتم غيظه وهو يسمع بدرجة التمثيل في قمة كانت دمشق تعلق عليها آمالا كبيرة لجعلها بوابة للعودة الى الساحة العربية· وفقد المعلم سيطرته على أعصابه كدبلوماسي متمرس وجهر بالقول انه "لا يحق لدولة قاطعت القمة أن تتحدث أثناءها"، وإذا كانت الرسالة واضحة باتجاه لبنان فإن شفرتها موجهة إلى العربية السعودية ومصر والأردن التي رهنت درجة تمثيلها بمدى التعاون الذي تبديه دمشق في انهاء حالة الاحتقان السياسي في لبنان في اتهام واضح لها بأنها هي التي تعرقل كل مسعى لإنهاء حالة الفراغ الدستوري في هذا البلد منذ نهاية نوفمبر الماضي· والمؤكد ان الرؤساء العرب الذين لبوا دعوة الحضور التي وجهها إليهم الرئيس السوري بشار الأسد سيجدون أنفسهم في مواجهة صراعات شكلية بدلا من الخروج بأدنى ما يمكن التوصل إليه من توافق عربي في لقاء قمة بهذه الأهمية، ولذلك فإن البيان الختامي لهذا الموعد سوف لن يخرج عن نفس الديباجة والمضمون الذي عودتنا عليه القمم العربية السابقة والتي لم تخرج عن دائرة الاستنكار والتنديد وتعليق الآمال التي لم تتحقق أبدا· بل أن العرب أصبحوا يخشون أن تحدث مراجعات لمواقف التزم بها قادتهم في قمم سابقة وهو أدنى ما أمكنهم الاتفاق بشأنه وتبين لهم فيما بعد أنهم أخطأوا التقدير· وتكون هذه المخاوف هي التي جعلت الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى يشدد التأكيد في ختام إجتماع وزراء الخارجية العرب على أن المبادرة العربية للسلام مع إدارة الإحتلال الإسرائيلي لن تعدل ولن تطرح للنقاش ثانية ويجب أن يتم التعاطي معها كما جاءت في نصها الأصلي خلال قمة بيروت سنة 2002· ولم تكن إشارة عمرو موسى إلى هذه المسألة الحساسة قد جاءت من فراغ ويكون قد أحس بتحركات عربية لطرح مثل هذه الفكرة خلال قمة دمشق ومن منطلق أن إسرائيل رفضت التعامل معها ويتعين إرضاؤها ومعها الولاياتالمتحدة، ولكن بتنازلات أكبر على حساب الحق الفلسطيني· والواقع أن لا هذه المبادرة ولا تنازلات عربية أخرى ستقبل بها إسرائيل فقد اعتادت حكوماتها المتعاقبة على الجشع ودرجة ارضاؤها مازالت بعيدة، ولكن هل يقتنع القادة العرب بهذه الحقيقة ويشددوا من لهجتهم تجاهها بدلا من الرضوخ لمطالبها، واقع مازال بعيد المنال ويتعين على العرب أن ينتظروا وينتظروا!