كل ثورة محكومة بالعقل والعاطفة، فتذكيها العاطفة ويكسبها العقل، وإذا ما طبقنا هذه المعادلة على مايسمى اليوم بالربيع العربي، نجد الثورات محكومة بالعاطفة أكثر من العقل وإلا كيف نفسر الخسائر البشرية والمادية فيما يجري بليبيا واليمن وسوريا؟ وكيف نفسر التيهان الذي تتخبط فيه الثورتان التونسية والمصرية؟ إن الثورات التي تقودها الشعوب لا يتواجه فيها أبناء الشعب الواحد فيما بينهم لأن الفئة الرابحة فيه خاسرة، وكثيرا ما يكون التقاتل في مثل هذه الحالات بدوافع انتقامية ومصالح فئوية ضيقة على حساب المصلحة العليا للبلاد، وعلى حساب الأهداف المشروعة التي تقوم من أجلها هذه الثورات. فكان يفترض أن تكون ''الثورات'' التي تشهدها بعض البلدان العربية عمليات جراحية دقيقة حسب المخططين لها وراعيها وداعميها غير أن الرياح كثيرا ما تجري بما لا تشتهي السفن، فخلفت ضحايا وأتت على بنى تحتية وقوضت مؤسسات بناؤها الوقت والامكانيات الطائلة. والدروس التي يمكن استخلاصها في زمن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد هو أن اللجوء إلى العنف والعنف المضاد أصبحا سلعة بائرة تجر من الويلات أكثر مما تكسب من الفوائد. والشعوب العربية، اليوم، مستهدفة كانت بهذه الثورات أو صانعة لها، مطالبة بتغليب العقل على العاطفة عملا بالحكمة القائلة ''ما تستطيع أن تحصل عليه بالقوة تستطيع أن تحصل على أفضل منه بالمعرفة''.