خرج الرئيس السوري بشار الأسد عن صمته الذي التزمه إزاء الأحداث التي تعرفها بلاده مدافعا عن طريقة تعامله معها بعد أن اعتبر ما يقوم به الجيش النظامي بمثابة واجب يتعين القيام به في وجه الخارجين عن القانون. وحتى يعطي شرعية للجوء قوات الجيش السوري إلى استعمال القوة والإفراط فيها بما فيها استعمال دبابات لاقتحام مختلف مدن البلاد قال الاسد انه يعمل على ''القضاء على من نشروا الرعب في أوساط الشعب السوري والذين يقطعون الطرقات ويحاصرون المدن وبالتالي تعين على قوات الأمن أن تعمل كل ما في وسعها من أجل ضمان الأمن وحماية حياة المواطنين''. وعندما شدد الرئيس السوري لدى استقباله لوزير الخارجية اللبناني عدنان منصور على خيار القوة لتحييد ''الخارجين عن القانون'' فانه رفع أيضا ورقة الإصلاحات السياسية من أجل طمأنة الرأي العام السوري بعزمه القيام بإصلاحات دستورية جذرية لإقامة الديمقراطية في البلاد. يذكر أن تصريح الرئيس الأسد جاء في نفس اليوم الذي صادق فيه البرلمان السوري على جملة من مشاريع قوانين أقرتها الحكومة السورية مؤخرا ونصت على إصلاحات سياسية تبدأ بتنظيم انتخابات عامة تعددية. وهي مشاريع القوانين التي تسعى الحكومة السورية إلى إقرارها في محاولة لاحتواء أعنف أزمة سياسية تعرفها سوريا منذ أكثر من أربعين عاما والتي خلفت حسب إحصائيات لمنظمات حقوقية سورية أكثر من 1600 قتيل في حصيلة مواجهات مازالت مفتوحة على مزيد من القتلى والمصابين. كما أن تصريحات الرئيس السوري جاءت ردا على الضغوط الدولية المتزايدة على نظامه ومطالبة القوى العظمى برحيل النظام السوري الذي فقد حسبها كل مشروعية لمواصلة إدارة الشؤون العامة في هذا البلد. وهو ما يدفع إلى التساؤل حول مدى مصداقية الإصلاحات التي تريد السلطات السورية تمريرها على شعب يواصل مسيراته الاحتجاجية منذ أكثر من خمسة أشهر دون أن يكل أو يمل في التظاهر لإسماع صوته. بل أن التوقيت الذي جاءت فيه هذه الإصلاحات تعطي الاعتقاد أن الوقت قد تجاوزها وخاصة وأن الشعب السوري رفع من سقف مطالبه إلى أعلى وأصبح يصر على رحيل الرئيس الأسد وكل نظامه. وتكون سوريا بين وعود السلطات بإصلاحات سياسية وديمقراطية جذرية وبين مطالب شارع ثائر قد دخلت في مأزق حقيقي يصعب إيجاد مخرج له يرضي طرفي المعادلة السياسية والأمنية السورية. وتزداد ضبابية الموقف في سوريا في وقت ينتظر أن يصل فيه وزير الخارجية التركي داوود أوغلو يوم غد إلى العاصمة دمشق للتباحث مع مسؤوليها حول آليات للخروج من هذا النفق المظلم. وتترقب عواصم الدول الكبرى نتائج زيارة رئيس الدبلوماسية التركي إلى سوريا على أمل أن تتمكن أنقرة من استغلال علاقاتها ''الطيبة'' مع دمشق من اجل إقناعها بالإنصات لمطالب شارع لا يريد التراجع عن موقفه. ويبدو أن الخناق ما انفك يشتد من حول النظام السوري أكثر بعد أن خرجت الجامعة العربية عن صمتها هي الأخرى وطالبت السلطات السورية ''بوقف فوري لأعمال العنف وكل الحملات الأمنية ضد السكان المدنيين''. وعبر الأمين العام للجامعة المصري نبيل العربي في بيان أصدره أمس عن انشغاله العميق بسبب تدهور الوضع الأمني وتصعيد العمليات العسكرية في مدن حماه ودير الزور ومختلف مدن البلاد''. ويعد هذا البيان أول موقف بمثل هذه اللهجة تستعملها الجامعة العربية ازاء تطورات الوضع في سوريا منذ اندلاع الأحداث فيها منتصف شهر مارس الماضي.