تأتي مصادقة مجلس الوزراء على المجموعة الأولى من مشاريع القوانين المنبثقة عن برنامج الإصلاحات السياسية، لتؤكد الإرادة الصادقة للسلطات العليا التي بادرت بهذه الإصلاحات على السير قدما في تجسيدها في أسرع الآجال المتاحة وبالشكل الذي يحقق الإجماع عليها من قبل مختلف فعاليات المجتمع الجزائري، ولتعلن في الوقت نفسه دخول عملية تنفيذ هذا البرنامج الإصلاحي الذي يرمي إلى دعم المسار الديمقراطي وإحداث التغيير المنشود في البلاد مرحلة الحسم على اعتبار أنه لم يعد يفصل بين مرحلتي الإعداد والتنفيذ لهذا البرنامج سوى مصادقة البرلمان على نصوصه. وقد بددت عملية المصادقة على أربعة مشاريع من أصل سبعة مشاريع قوانين عضوية، تمثل إلى جانب مشروع التعديل المعمق للدستور، أساس الإصلاحات السياسية الجاري تجسيدها بمبادرة من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الشكوك التي أثارتها بعض التشكيلات السياسية، سواء حول الإرادة الحقيقية للسلطات العليا في البلاد لتجسيد هذه الإصلاحات أو حول ما وصفه البعض ب''تعطل تطبيقها''، الأمر الذي دفع برئيس الجمهورية شخصيا إلى الرد على التعاليق التي أثيرت حول مصداقية السلطات العمومية في تنفيذ هذه الإصلاحات، بتجديد التزامه الشخصي بالمضي قدما في تجسيد محتوى برنامج الإصلاح السياسي المعلن من قبله في الربيع الماضي من جهة، وكذا تعبيره عن ارتياحه لتقيد السلطات العمومية بالرزنامة السياسية التي تم تحديديها لتجسيد هذه الإصلاحات، من جهة أخرى. وكان رئيس الجمهورية قد حث في وقت سابق الحكومة على الإسراع في تحضير مشاريع القوانين التمهيدية المعنية ببرنامج الإصلاحات، ودعا البرلمان إلى الاستعداد لاستقبال هذه المشاريع مع انطلاق دورته الخريفية، المقررة يوم غد الأحد بغرض مناقشتها والمصادقة عليها خلال نفس الدورة التي تعتبر آخر دورة في عهدة البرلمان الحالي، لكنها ستكون من أهم عهداته وأكثرها ثراء، على اعتبار أنها ستؤسس لمرحلة سياسية جديدة، تنبني على أساس القوانين الجديدة التي ستعيد تنظيم الحياة السياسية بشكل يعزز المسار الديمقراطي بشكل أكبر ويضمن مزيدا من الحريات الفردية والجماعية، وذلك وفق ضوابط وقواعد تتوافق عليها كافة الفعاليات السياسية أو على الأقل غالبيتها العظمى. وفي هذا المقام، تجدر الإشارة عند العودة إلى مضمون المشاريع الأربعة التي تمت المصادقة عليها خلال مجلس وزراء الأخير، وهي مشاريع القوانين العضوية المتعلقة بحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، الولاية، التمثيل النسوي في المجالس النيابية وكذا الانتخابات، إلى الإجماع وكذا الترحيب الذي حظي به هذا المشروع الأخير من قبل كافة التشكيلات السياسية، سواء من حيث استجابته لجملة الاقتراحات التي سبق وأن قدمتها مختلف الأحزاب السياسية خلال المواعيد الانتخابية أو من حيث إضفائه لمزيد من الشفافية وعوامل النزاهة على العملية الانتخابية، من خلال إقراره لازدواجية آلية المراقبة، باستحداثه لآلية الإشراف القضائي على مراجعة القوائم الانتخابية وكذا نصه على سلسلة من التدابير العملية الجديدة التي تتوخى ضمان شفافية الاقتراع ورفع كل اللبس على سير العملية الانتخابية. وإذ ينتظر أن تتجلى أهمية هذه التدابير وثمار مشروع القانون هذا في أولى انتخابات تشريعية مقررة في الربيع المقبل، والتي سيتمخض عنها البرلمان الجديد الذي ستعود له مهمة تعديل الدستور الجزائري، فإن صياغة قانون جديد للانتخابات بشكل يحقق إجماع الطبقة السياسية، يعد في حد ذاته مكسبا سياسيا في البلاد، لا سيما وأنه جاء ليثبت إجراءات ضمان نزاهة الانتخابات بشكل نهائي ويكرس حرص السلطات العليا في البلاد على شرعية العملية الانتخابية ومن خلالها المؤسسات المنبثقة عنها، بدلا من صيغة التعليمات الرئاسية التي كانت معتمدة في السنوات الأخيرة، حيث كان رئيس الجمهورية يصدر تعليمات تتضمن الضمانات الممنوحة للمشاركين في الاقتراع، وأوامر تحث الجهات الإدارية على مراعاة مبادئ الشفافية والمصداقية والنزاهة عند الإشراف على العملية الانتخابية. كما عكس محتوى مشاريع القوانين الأخرى المصادق عليها في مجلس الوزراء، تطلعات غالبية الشرائح والفعاليات الاجتماعية في البلاد، ولاسيما منها تلك التي شاركت في جلسات المشاورات السياسية التي تم تنظيمها بين شهري ماي وجوان الماضيين من أجل جمع الآراء والأفكار والاقتراحات حول المحاور الرئيسية للإصلاحات. فقد جاء مشروع القانون العضوي المتعلق بالولاية كاستجابة لأبز الانشغالات التي طرحتها التشكيلات السياسية، ولا سيما في ما يتعلق بتوسيع صلاحيات المجالس الشعبية الولائية، بينما يترجم المشروع الخاص بحالات التنافي مع العهدة البرلمانية، إرادة السلطات العمومية في تنقية وتنظيم العمل البرلماني من خلال وضع حد للجمع بين عدد من المهن وممارسة النشاط النيابي ومن ثمة ضمان استقلالية النائب عند أداء مهامه عن أي تجمع مهني، في حين ظهرت معالم الاستجابة لاقتراحات وانشغالات الفعاليات والتنظيمات الوطنية بشكل أكبر، في مشروع القانون العضوي الخاص بالتمثيل النسوي في المجالس الشعبية الولائية والبلدية، والذي حدد نسبا مضبوطة لتواجد العنصر النسوي في القوائم الانتخابية، حيث لم يعترض عن هذا المشروع سوى عدد قليل من التشكيلات السياسية التي سبق وأن أعلنت أنها ليست ضد ترقية الدور السياسي للمرأة لكنها تتحفظ عن صيغة اعتماد الحصص.