في ليالي الشتاء الباردة وبالقرب من نار هادئة، يلتف الأطفال حول الجدة أو الجد ليحكي لهم قصصا من التراث الشعبي تداعب خيالهم وتسلّي لياليهم وتنسيهم قرّ الشتاء وتعلمهم الكثير من دروس الحياة عن طريق الحكم والعبر التي تختم بها كل حكاية، فكم هي جميلة هذه القعدات وكم هي بعيدة أيضا؛ ففي عالم التكنولوجيات الحديثة قلّ إن لم نقل انعدم هذا التقليد، إلا أن هناك من يصبو إلى المحافظة عليه بكل قوة ومن بينهم الكاتب سعيد هاشمي الذي صدر له كتاب''حكايات من التراث الشعبي''. وبهذه المناسبة؛ قدم الكاتب سعيد هاشمي كتابه ''حكايات من التراث الشعبي'' بمكتبة ديدوش مراد، والذي صدر السنة الفارطة عن دار ''الهدى''، مشيرا إلى أنه صدر له كتاب آخر في وقت سابق يدور حول نفس الموضوع عن دار ''الشهاب'' مؤكدا حبه وتعلقه بالتراث الشعبي وإدراكه بضرورة الحفاظ عليه. وأكد المتحدث أن الحكايات الشعبية هي جزء لا يتجزأ من تاريخنا ومرتبطة ارتباطا وثيقا بشخصيتنا وكذا بعقليتنا وهمومنا، مضيفا أن المكتبات الجزائرية ممتلئة بالقصص الغربية فيا حبذا، بل من الضروري أن تضم أيضا وبكثرة قصصا تمسنا وتنمي وعي أطفالنا وتحميهم من تصديق أي شيء يأتي من الحضارات الأخرى. واعتبر سعيد أن القصص والحكايا لها نفس أهمية الرواية والمسرحية والأفلام وغيرها، أما عن طريقة عمله فقال إنه يبحث في ''المداشر'' والقرى عن الحكايات الشعبية ويصطدم أحيانا بأشخاص يعتقدون أن عصر الحكايات قد ولى ولم يعد له مكان في وقتنا الحالي، إلا أنه يحاول أن يقنعهم بأهميتها في إضفاء الكثير من الدروس والوعي على الفكر والثقافة، كما أنها كانت في الماضي مصدرا لا يستهان به في تقوية الجانب التربوي للأطفال. في هذا السياق؛ أشار سعيد إلى أن الأطفال في الماضي كانوا يعشقون القصص والحكايات ومتأثرين بالعبر التي تنبثق عنها، أحسن بكثير من التوجيه المباشر، مستطردا قوله إنه حتى القرآن الكريم نوّه بقيمتها، بالمقابل؛ طالب المتحدث بتسجيل الحكايات أو حتى كتابتها لمن يملك قدرة الكتابة وهذا حتى لا يضيع مثل هذا التراث المهم. واعتبر سعيد أنه من المهم أن تكتب الحكايات الشعبية بلغة البلد وهذا حتى لا تفقد بعض خصوصياتها وعمقها ونفس الشيء بالنسبة للألغاز والحكم والأمثال وكل ما له علاقة بالتراث الشعبي الذي يجب أن يحافظ عليه، أما عن رحلة كتابته لقصص مؤلف''حكايات من التراث الشعبي''، فقام بها الكاتب في منطقة القبائل ومن ثم ترجمها من القبائلية إلى العربية حتى تمس أكبر فئة من المجتمع الجزائري. وحمل هذا الكتاب ست قصص وهي ''عاقبة الحسد''، ''الراعي والقرد''، ''شراكة ابن آوى''، ''زواج الحكيم''، ''المح?ور'' و''رحلة الاستكشاف''، وقرأ الكاتب للجمهور الحاضر قصتين وهما ''رحلة الاستكشاف'' و''شراكة ابن آوى'' وتحكي القصة الأخيرة خبث ابن آوى وكسله فهو لا يجني رزقه إلا بالسرقة والخداع وفي يوم من أيام الشتاء الباردة وبعد شعوره بألم في معدته جراء الجوع الشديد قرر أن يستعمل الحيلة كعادته للحصول على الأكل واختار طريدته المتمثلة في ''القنفذ'' الفلاح النشط الذي لا ينكفئ في حرث أرضه وجني ثمار تعبه، واقترح ابن آوى على القنفذ أن يشاركه في خدمة الأرض ومن ثم تقاسم ثمراتها ووافق القنفذ على أن يعملا في وقت مختلف وهكذا عمل القنفذ صباحا وابن آوى مساء إلا أن هذا الأخير لم يقم بأيّ مجهود فهو غير متعود على ذلك، فكان يقضي أيامه مرتاحا ويتحجج بأعذار وهمية أما القنفذ فكان لا يكل من العمل وهكذا تم زرع القمح والبصل. ونضج البصل وطلب ابن آوى من القنفذ أن يتقاسما المحصول واختار أخذ ما فوق الأرض لأنّه يجهل تماما ما يوجد داخلها وهكذا كان نصيبه الحشيش ونصيب القنفذ البصل، فغضب ابن آوى وأخذ على نفسه عهدا أن لا ينخدع عند جني القمح وسيأخذ ما تحت الأرض هذه المرة والنتيجة إنه لم يحصل على شيء لأن القمح طبعا ينبت فوق الأرض. وقرر ابن آوى أن يقتل القنفذ انتقاما منه لكن القنفذ ارتأى إلى حيلة للخلاص من هذا المخادع فاقترح أن يتسابقا ومن يصل أولا إلى الأرض المزروعة يأخذ القمح فوافق الكسول وبدأ في الركض إلا أن القنفذ الذكي اتفق مع قرانه من فصيلته أن يختبئوا في مختلف نقاط مضمار السباق وأن يظهر كلّ واحد منهم في وقت معلوم حتى يعتقد ابن آوى أن القنفذ نفسه الذي يشارك في السباق وهكذا اتحدت القنافذ لإحراز النصر ضد ابن آوى الذي لم يفهم كيف لقنفذ أن يسبقه فخارت قواه وسقط أرضا فأسرعت القنافذ وربطته ووضعته على الطريق العام وهكذا نستخلص من هذه الحكاية درسا يتمثل في أنه من جد وجد وأن من اعتمد على الآخرين لكسب قوته خسر. للإشارة؛ صدر لسعيد الهاشمي العديد من الأعمال وهي روايات ''عاشق النور'' و''الاحتراق'' و''العهد'' وكذا مجموعة قصصية ''يوم حزن الملك'' ومؤلف حول الحكايا الشعبية، كما تحصل على جائزة الهاشمي سعيداني لجمعية ''الجاحظية''.