نظمت جمعية ''مشعل الشهيد'' بالتنسيق مع يومية ''المجاهد''، أمس، وقفة عرفان للمناضل فرنار إيفتون الذي قطعت المقصلة رأسه وهو يهتف ''الجزائر حرة ستعيش'' والذي عاش طوال حياته مؤمنا بالجزائر وباستقلالها ليترك للأجيال كلمته الخالدة ''حياتي لا تهم بل ما يهمني مستقبل الجزائر''. الوقفة تتزامن وذكرى إعدام إيفتون ال,55 إذ أن حكم الإعدام نفذ فيه في 11 فيفري 1957 . المناسبة حضرها رفقاء الراحل وجمع من المجاهدين وكذا باحثين مختصين في تاريخ الثورة. أول المتدخلين كان المجاهد محمد رباح الذي ثمن التفاتة العرفان هذه التي اعتبرها سمة من سمات الجزائر التي لا تنسى تاريخها ولا ذكرياتها مع من ضحوا من أجلها، كذلك الشأن بالنسبة لرفقاء الراحل إيفتون الذين كانوا يرون فيهم قدوتهم في النضال والدفاع عن حقوق العمال الجزائريين الذين قهرهم الاستعمار استعبدهم. الوقفة كانت أيضا فرصة للترحم على الشهيدين أحمد لخنش ومحمد ونوري اللذين نفذ فيهما حكم الإعدام بالمقصلة مع ايفتون ولم تفصل بينهم إلا دقائق، إذ رحل الواحد مباشرة بعد الآخر في صبيحة بائسة باردة (الخامسة وعشر دقائق صباحا) بسجن بارباروس بالعاصمة.المجاهد رباح استعرض جانبا من حياة الراحل إيفتون منها مثلا حياة والد إيفتون الذي كان مناضلا يساريا شرسا دافع عن الجزائريين رغم أنه كان فرنسيا (والدة إيفتون اسبانية).قال رباح في معرض حديثة ''أخبرني المسؤول المجاهد عكاش أن الشهيد ديدوش مراد قال له أنه لوكان عندنا الكثير من ايفتون لحققنا الكثير الكثير''، لقد عارض هذا المناضل منذ نهاية الأربعينيات سياسة فرنسا في المحافل النقابية بالعاصمة (خاصة بساحة 1 ماي) وفضح التمييز العنصري الذي سلط على الجزائريين، كما كشف الأوضاع المزرية للجزائريين وانتقد سياسة ''الانديجينا'' التي اكتشف مرارتها منذ أن كان طفلا بالمدرسة الابتدائية. عاش إيفتون منذ ولادته في 12 جوان 1926 مع الجزائريين متأثرا بأفكار والده، فانضم إلى العمل النقابي جنبا إلى جنب مع الجزاريين وانخرط في فرقهم الرياضية ثم التحق بحزب ''حركة انتصار الحريات الديمقراطية'' مؤمنا باستقلال الجزائر كحل لدحر الاستعمار والعبودية بين سنوات 1947 و1957 نال شهرة كبيرة في الأوساط النضالية الجزائرية، حيث كان نشطا على أرض الميدان لا يكل ولايمل ويقف ندا للند مع السلطات الفرنسية. في جون 1955 انضم إلى الجناح المسلح للثورة بجبهة التحرير وعمل مع امحمد حشلف في ضواحي ساحة 1 ماي والحامة ليقرر زرع القنابل في المراكز الاستعمارية الحساسة، منها مصنع توليد الكهرباء لكن أمره انكشف بعدما فضحته دقات ساعة القنبلة، علما أنه كان يتعامل مع الشهيد طالب عبد الرحمن ليعتقل في 14 نوفمبر 1956 ويتعرض لتعذيب وحشي وتقرر السلطات الفرنسية آنذاك بقيادة جوستال الإسراع في تنفيذ حكم الاعدام فيه لتسلط عليه الإعدام بالمقصلة وهو في غاية الهدوء والثقة ولا يقول سوى ''الجزائر حرة ستعيش''. لم تجد باريس من عذر لهذا الحكم سوى أنه صدر في حق شيوعي يساري ولتخاطب الأممالمتحدة والحلف الأطلسي فيما يتعلق بالقضية الجزائرية بأنها قضية شيوعيين تحركهم موسكو ولا علاقة لهم بالشعب الجزائري. الراحل كان الرقم 21 في ضحايا المقصلة ولا يزال مدفونا بالعاصمة وتذكر سيرته في العديد من المراجع التاريخية الفرنسية والجزائرية. الباحث عمار بلخوجة ركز في مداخلته على ظاهرة المقصلة في التاريخ الاستعاري والتي أرادت منها فرنسا ترهيب الشعب من خلال قطع الرؤوس علما أن هذه الظاهرة استفحلت في عهد ''لاكوست'' ووصل الأمر إلى قطع 5 رؤوس يوميا وهي سابقة لم تحدث في التاريخ الفرنسي مما يعكس حقدا غير عادي لكن المقصلة ستبقى وصمة عار في الضمير الفرنسي إلى اليوم. أما عن القنابل فأشار الباحث أنها ضيعة فرنسية باعتبار أن فرنسا هي من سنتها في الجزائر مع أحد سفاحيها الذي قتل 500 شاب بقالمة ثم بالقصبة لترد الثورة على ذلك بعمليات القنابل اليدوية. الباحث بلخوجة استعرض ظاهرة الإعدام بالمقصلة بالجزائر والذي يرجع إلى 1832 حين نفذ في رئيس قبيلة العوفية بوسط العاصمة ثم يرسل رأسه للمخابر لإجراء تجارب عليه كما كان الحال مع عديد الشهداء ناهيك عن الجرائم الأخرى. فتح بعدها المجال للشهدات الحية مع رفيق ايفتون المجاهد عبد القادر قروج الذي وصفه بالبطل المخلص الذي رفض امتيازات الاوروبيين وفضل العيش والنضال مع الجزائريين. أما رفيقه الآخر فكان »فيليكس كلوزية« الذي ثم القبض عليه في نفس اليوم الذي اعتقل فيه إيفتون، روى التعذيب والاستنطاق الوحشي لايفتون اثناء التحقيق أكثر من أي معتقل آخر، فلقد كان دوما محل بحث واهتمام السلطات الاستعمارية ونتيجة ثقله السياسي تمت إجراءات محاكمته بسرعة. اللقاء استحضر ماضيا خالدا، على الأجيال أن تحفظ ذكراه لتواجه تحديات المستقبل.