مازالت الأعمال المسرحية للراحل كاتب ياسين تستقطب اهتمام المختصين والأكاديميين، إذ قامت المترجمة، الدكتورة ملكة أبيض، بترجمة نصين من أهم أعماله هما مسرحيتا ''الجثة المطوقة'' و''الأجداد يزدادون ضراوة'' في كتاب واحد صدر مؤخرا عن الهيئة العامة السورية للكتاب، حسبما أوردته وكالة الأنباء السورية ''سانا''. وحسبما ذكرت المترجمة في مقدمة الكتاب؛ فإنه كان من المؤلم أن نموذجا أدبيا، عالميا، حضاريا وعربيا يتخذ الفرنسية وسيلة للتعبير، بسبب القمع الاستعماري، ذاكرة أسماء أهم كتاب الجزائر في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل مولود فرعون، مولود معمري، محمد ديب، مالك حداد وكاتب ياسين. وتعتز المترجمة بما أقدمت عليه في عملها في كتب كاتب ياسين، حيث ترى ذلك إسهاما في دعم الثورة الجزائرية منذ عام ,1962 عن طريق تعريف أبناء الوطن العربي بهذه الآثار الأدبية الجميلة، وإثارة روح المقاومة فيهم والتضامن مع أشقائهم في بلد الآثار الأدبية الجميلة، وإثارة روح المقاومة الابداعية والتضامن مع أشقائهم في بلد المليون ونصف المليون شهيد. وقد اختارت ملكة أبيض أعمال كاتب ياسين لترجمتها نظرا لكونه أشد كتاب الجزائر عمقا وأصالة وأكثرهم ارتباطا بالماضي بواقعية جديدة يكشف فيها الحاضر الاجتماعي الجزائري بأسلوب شعري أطلق عليه إدوار غليسان اسم أسلوب ''الواقعية الشعرية''. ونص ''الجثة المطوقة'' لياسين مستلهم من أحداث الثامن ماي 1945 الدامية، وهي الأحداث التي شكلت رد فعل عنيف من المستعمر الفرنسي على مظاهرات المطالبة بالاستقلال فقد قتل فيها خمسة وأربعون ألف متظاهر وقد شارك ياسين في هذه المظاهرات وهو لا يزال فتى في السادسة عشرة من عمره واعتقل إثرها وفصل من المدرسة. وتبدو ''الجثة المطوقة'' جزءا هاما من مجموعة أعمال الكاتب؛ فعند قراءتها يتخاطر للذهن عنوان ''نجمة'' وهي أحد أهم روايات ياسين؛ فينطلق في عمله الروائي وفي المسرحية من حياة القسوة تحت الاحتلال بأسلوب رقيق يجمع أعماله ويرتبط بحاضرها السياسي والاجتماعي ارتباطا وثيقا. والمسرحية تمثل نموذجا فريدا من كفاح الشعب الجزائري عبر ''التراجيديا الواقعية''، ويبرز ياسين من خلال هذا العمل الذي عرض في العديد من مناطق العالم، الأساليب الاستعمارية الدموية في مدن الشرق الجزائري الثلاث قالمة، خراطة وسطيف، كما تدين الاستعمار وتبرز استنكار كاتب ياسين الشديد للتعصب. وترى المترجمة أن الأسلوب السردي الحداثي، الذي يتخذه ياسين في نصه، يقف مع أبطال النص ولا يقل وجودها أهمية عن أحداث العمل ككل كونها تتجاوز الرتابة والكلاسيكية نحو الواقعية الكاملة التي تنتمي للواقع الحقيقي بامتياز دون إهمال تفاصيله مع الشعرية التي تعطي النص المسرحي أريحية في الأداء وحتى في التلقي أثناء القراءة. أما المسرحية الثانية ''الأجداد يزدادون ضراوة'' أو بترجمة أخرى الأجداد يضاعفون من ضراوتهم؛ ففيها يربط الكاتب بين حاضر الشعب الجزائري وجذوره القبلية، على حد قول المترجمة، فهو يمثل في الأجداد القوة الهائلة التي تملأ سماء الجزائر وأرضها روحا هائمة قلقة لا تجد الراحة وكأنها قتيل توانى أحفاده عن الثأر له؛ فإذا به ينقلب عقابا يحوم فوق رؤوسهم ويحاصرهم ويسد عليهم الآفاق ويستصرخ فيهم المروءة والشرف. وتكمل ''الأجداد يزدادون ضراوة'' برموزها وأحداثها مسرحية ''الجثة المطوقة''؛ فهي تبلغ فيما تقدمه مرحلة الثورة المسلحة والحرب التي تعبئ كل طاقات الشعب الجزائري لإنتزاع حريتهم واستقلالهم.