ارتبط الاحتفال باليوم الوطني للفنان بالرمزية البطولية للفنان علي معاشي، الذي سقط شهيدا في ساحة الوغى على أيدي الاحتلال الفرنسي يوم 8 جوان ,1958 ولأنه يشكل بحق أيقونة الفنان والمثقف الجزائري الغيور على وطنه والعاشق الولهان لترابه الطاهر بدماء الشهداء الزكية، جعلت الدولة الجزائرية من يوم 8 جوان من كل سنة يوما وطنيا لتكريم الفنانين ومن الواجب الوقوف عندهم وقفة عرفان، لدورهم الريادي في تنوير المجتمع، ولعل انشاء جائزة رئيس الجمهورية ''علي معاشي'' يبقى أكبر برهان على بالغ الاهتمام لهذه الفئة. وتعود الاحتفالية هذا العام في ظروف استثنائية برحيل آخر عمالقة الطرب العربي وصوت الثورة والاستقلال وردة الجزائرية إلى مثواها الأخير، ووفاة المطرب خليفي أحمد صاحب الصوت البدوي الرخم الصادح من أعماق الزيبان، والممثل القدير كمال كربوز الذي ذاع صيته في سلسلة أعصاب وأوتار، كما تعود الذكرى لاستحضار مآثر الرجل الرمز علي معاشي، وستكون فرصة للفنانين في إبداء رأيهم حول واقع الفن ووضعية الفنانين، وهو حديث ذو شجون يبدأ من المطالبة بسن قانون الفنان ويستمر عند محطات عديدة على غرار نقص الأعمال وضعفها وارتباطها بالمناسبات وغيرها من العراقيل التي تحول دون تطور أحسن للقطاع. يقول الممثل والفنان التشكيلي محمد أرسلان، أن تكريم الفنان الصحيح أكبر من أن تهديه الهدايا في هذا اليوم، إنما وضع سياسة جادة من طرف الوصاية والتزام حقيقي في رفع من مستوى الإبداع إلى درجة الاحترافية. مؤكدا على أن البقاء في هذه الذهنية المناسباتية لن يفيد الثقافة الجزائرية في شيء وسوف نعود العام المقبل ونكرر نفس الحديث. بالنسبة للنحات محمد بوكرش، يعتقد أن الفنان لا يحتاج إلى تكريم بقدر ما يحتاج إلى رد اعتبار لأعماله ابتداء من المدرسة، مشيرا إلى أن أسماء عديدة في مجالات الأدب والمسرح والتلفزيون والسينما برزت سنوات السبعينيات والثمانينيات على غرار رشيد بوجدرة وواسيني الأعرج ومحمد خدة وغيرهم، وأن الساحة الآن تفتقد لمثل ذلك البريق. واسترسل أن الجزائر بحاجة إلى مخابر وليس إلى جدران بهدف التكوين، وأن المستوى الحالي للتدريس والتكوين ضعيف بالنظر إلى الهالة الكبيرة من المعرفة والأطروحات الفكرية التي اجتاحت العالم وغيرت معالمه ثقافيا. من جهته، يرى الممثل ورئيس جمعية الألفية الثالثة سيد علي بن سالم، أن قانون الفنان مرتبط بالفنان لوحده، من خلال تكثيف الإنتاج وبلوغ إنتاج 30 مسلسلا في السنة، عندها يمكن الحديث عن قانون الفنان. وأضاف أن الدولة عليها دعم الإنتاج الفني والسينمائي والتلفزيوني مثلما تفعل مع كرة القدم. وقال أنه من الجيد أن يكرم الفنان، لكن الأفضل من ذلك تكريمه بأعمال جديدة والعودة إلى النشاط الدؤوب الذي يحن إليه الجمهور. متسائلا عن الجدوى من ترميم قاعات السينما وليس هناك أفلام، لذلك آثر على وزارة الثقافة أن تشد على أيدي الفاعلين في حقل السينما حتى يتصالح عشاق السينما مع الأفلام الجزائرية ويعود إلى قاعاتها. من جهة ثانية، أكد المستشار السابق لوزيرة الثقافة والبرلماني حاليا. محمد سيدي موسى، أن الفنان لابد أن يفرض نفسه بعمله المتقن ولا ينتظر دعم الدولة في كل مرة. وأردف يقول أن الدولة بذلت جهودا قياسية لنهضة القطاع. لكنه يبقى غير كاف ومهما تبذل من جهود مستقبلا فلن يكون كافيا أيضا بحكم الطبيعة المركبة والدقيقة للقطاع، لذلك جدد تأكيده على أن الفنان لابد أن يفرض نفسه على الساحة. وتبقى العديد من الأسماء التي أعطت الكثير للفن الجزائري وللجزائر مثلما فعل الراحل علي معاشي، تعيش في عتمة النسيان، قد لا تنتظر من يتذكرها، لكنها تحتاج بحق إلى التفاتة، على غرار الشاعر الجزائري الراحل الدكتور صالح خرفي صاحب رائعة ''نداء الضمير'' التي غنتها الفقيدة وردة الجزائرية، وكذا الأغنية الوطنية ''من بعيد''، وللأسف فإن التاريخ تذكر المؤدية والملحن المصري الراحل بليغ حمدي دون ذكر صاحب الكلمات الرائعة. على صعيد آخر، مازالت الممارسات الاقصائية تمارس من بعض الجهات لأغراض انتفاعية وتجارية بحتة، غيبت العديد من الأسماء التي ما لبثت أن تلمع وسط سماء الفن السابع والتمثيل المسرحي، حتى غطتها غيوم المصالح الضيقة، فأين هم هؤلاء من سلوك الفنان الذي خصص يوم استشهاده ليكون يوما وطنيا للفنان، هل يستطعون فعلا القيام بما قام به علي معاشي، عندما رد على أغنية ''بساط الريح'' التي أداها فريد الأطرش الذي ذكر كل البلدان وتغنى بسحرها إلا الجزائر، وهذا لكون الشعب الجزائري غضب عليه لأنه أبدى شكرا خاصا للسلطات الفرنسية على استضافتها له بالجزائر، فغنى معاشي ''أنغام الجزائر'' المعروفة ''يا ناس أما هو حبي الأكبر... يا ناس أما هو عزي الأكبر لو تسألوني نفرح ونبشر... ونقول بلادي الجزائر".