الحديث مع سهيل مناصر له نكهة خاصة، فهو حديث مشوق ينبع من إنسان حمل مسؤولية الكبار في سن الطفولة.. عندما يتكلم، تصيبك دهشة فصاحته وفطنته الذائبتان في قسمات وجهه.. إنّه الطفل الّذي يتولى، منذ عامين، منصب رئيس مكتب الطفولة بالمنظمة الوطنية لتواصل الأجيال، ليكون سفيرا لشريحة بحاجة لمن يتحدث باسمها، وينقل انشغالاتها، بل إنّه التلميذ الّذي يخطط ليصبح رئيسا للجمهورية سنة 2039!.. هنا قراءة متأنية في سطور تجربته وما بين السطور. - سهيل مناصر.. من تكون؟ * أنا طفل جزائري من مواليد سنة ,1996 أدرس بمتوسطة الضفة الخضراء القديمة ببرج الكيفان، حيث يُنتظر أن أجتاز هذه السنة امتحانات شهادة التعليم المتوسط، وأنا صاحب فكرة تأسيس مكتب الطفولة الّذي أتولى رئاسته بالمنظمة الوطنية لتواصل الأجيال منذ 10 جوان .2010 - لكن كيف سطعت في رأسك فكرة تأسيس مكتب الطفولة؟ * شاء القدر أن ألتقي مع الأمين العام للمنظمة الوطنية لتواصل الأجيال، عبد الحفيظ لحول ببجاية، وإثر علاقة الصداقة التي تكونت بيننا، طرحت عليه مشاكل الأطفال، لاسيما وأنني تأثرت كثيرا بقناة جزيرة الأطفال الّتي تظهر من خلالها جليا قيمة الطفل كسفير للمستقبل، فضلا عن الوعي الّذي اكتسبته بوصفي ناشطا في الحقل الإعلامي.. ومن هنا، تراءى لي أن أقترح عليه تأسيس ناد للأطفال، وهو الاقتراح الّذي تطور مع المساعدة الاجتماعية للمنظمة عبد الله فطومة، ليتحول إلى مكتب. - هل كان هذا أمرا واردا في فضاء أحلامك الطفولية؟ * الحلم الّذي أسعى إلى تحقيقه بصراحة، هو أن أصبح رئيسا للجمهورية.. انتظروني في سنة 2039!! - في انتظار أن تصبح رئيسا للبلاد، كيف الأحوال مع رئاسة مكتب الطفولة؟ * أنا أتولى بموجب هذه المسؤولية، تنظيم دورات لمراقبة شؤون الأطفال والسهر على تنسيق النشاطات الموجهة لهذه الشريحة بين الفروع الولائية.. لكن ما يحز في نفسي، هو عدم وجود مجال لتمكين الطفل من ممارسة حقه في تأسيس جمعية. - واضح أنّ حماسك كبير لتكريس الوقت في أداء هذه المهمة النبيلة؟ * طبعا، يهمني كثيرا أن أناضل من أجل تمكين الطفل من ممارسة حقه في المشاركة، إبداء الآراء وتكوين الجمعيات، بوصفها حقوقا مكفولة. - أتوقع أنّك تلميذ نجيب؟ * أجد أنني متوسط المستوى، حيث أحصل عادة على معدلات تتأرجح ما بين 15 و,.16 فالمنطق لديّ يقول؛ لا يجب أن أستنزف كل طاقاتي في مجال واحد، إنّما أوزعها بين مجالات مختلفة لأتمكن من تحقيق التوازن. - على ذكر التوازن، كيف يوفق سهيل بين الدراسة والمسؤولية؟ * حقيقة التوفيق مهمة صعبة، لكن الحمد لله، يقف ورائي جيش من المناضلين، منهم إطارات سياسية، رجال قانون وأساتذة.. وقد تقبلوني كرئيس لهم! - بصراحة، هل أنت تلميذ مشاغب في المدرسة؟ * (يضحك).. أقر بأنني أقوم ببعض المقالب، لكنّها لا تتجاوز حدود المعقول، فمقالبي طبعا لا تصل إلى حد الشغب.. كما أن علاقاتي مع الأساتذة جيدة. - لو نطلب منك أن تختصر واقع الطفولة في كلمات، ماذا تقول؟ * صراحة، سيادة سفراء المستقبل منتهكة في الحاضر.. فهم يفتقرون إلى من يفسح لها المجال لإبداء الرأي، الإبداع واكتساب الوعي، لاسيما في غياب مؤسسات حكومية مدعمة ترعى الطفولة وقلة عدد الجمعيات الناشطة في مجال الطفولة.. المطلوب في رأيي هو إنشاء برلمان للطفل يحميه ويصون حقوقه، ليكون رجل الغد في مستوى المسؤوليات التي سيحملها.. ووصول الطفل إلى النضج يبقى في نظري مهمة الدولة والبالغين. - وماذا عن الأسرة، ألا يطالها نصيب من العتاب بهذا الخصوص؟ * لاشك في أنّها تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في هذا الجانب، فالعديد من أولياء اليوم غير مؤهلين لتربية الأبناء، رغم ارتفاع مستواهم التعليمي ووعيهم، نتيجة لتأثير الضغوطات الاقتصادية. - تبدو طموحاتك أكبر من سنك، أليس كذلك؟ * ببساطة، أشعر أنني شخص مسؤول، يدور في رأسه مشروع كبير. - تقصد حلم رئاسة الجمهورية؟ * نعم، الأمر كذلك. - نفهم من قولك أنّ اهتماماتك تتخطى حدود قضايا الطفولة نحو شؤون عالم السياسة؟ * فعلا، تخطيت حدود الاهتمام بقضايا الطفولة نحو عالم السياسة منذ سنة ,2004 متأثرا بحماس الشعب الّذي ميز أجواء الانتخابات الرئاسية آنذاك. - مبدئيا، هل سطرت خطة لتجسيد هذا المشروع السياسي؟ * بالتأكيد، فأنا أحضر نفسي منذ الآن لاقتحام عالم السياسة، وأطمح لتلقي التكوين في هذا المجال لأكون في المستوى المطلوب. - لاشك في أنّ عبارات الإطراء تتهاطل عليك في كل مكان؟ * صحيح، لكنني أتجاهلها نتيجة للإحراج الّذي تسببه لي وسط أصدقائي، ذلك أنني لا أريد أن يشعروا بعقدة النقص أمامي. - بعيدا عن الدراسة والمسؤولية، ماهي المساحة الّتي يحتلها الترفيه في حياتك؟ * كنت أحبذ ممارسة الرياضة، غير أنّني انقطعت عن ممارستها بعد أن استولت انشغالاتي الكثيرة على جزء كبير من حيزي الزمني. - من باب الفضول، هل لك أن تطلعنا عن بعض هذه الاهتمامات؟ * أنا أحاول يوميا اقتصاد الوقت، لأربح ساعتين في اليوم أخصصهما للإبحار في فضاء الفيسبوك، وعيا مني بأهميته القصوى، إذ تعرفت من خلال هذه التقنية الاتصالية على عدة إطارات، واستفدت كثيرا منهم بموجب لقاءات حصلت بيننا. - ماذا عن الموضة، هل أنت من المهووسين بمواكبة موجاتها؟ * لا، لقد توقفت عن ذلك في سن مبكرة، لا وقت لديّ، خاصة وأنّ المسؤولين في المدرسة يشددون على ضرورة البساطة في الهندام. - إذن تعترف بأنّك مهووس بالكمبيوتر أكثر من الموضة؟ * لا أعتقد بأنّي وصلت إلى مرحلة الهوس بعد، إلاّ أنّني في الطريق نحو ذلك، على ما يبدو. - يحتاج الفتى إلى مثال أعلى يقتدي به، يتجسد عادة في الوالد أو الوالدة، بمن تأثرت أنت؟ * تأثرت بمسؤولي المنظمة، لكنّ مثلي الأعلى هو رئيس الجمهورية التونسية منصف المرزوقي.. لقد تأثرت كثيرا بتجربة هذا الشخص الّذي تحول من رجل مضطهد في السجن، وطبيبا تلاحقه الشرطة، إلى رئيس يترأس الشرطة التي كانت تطارده.. باختصار، أنا متأثر جدا بمستوى أفكاره وطريقة تعامله المحفوفة بالتواضع والرزانة. - لكن لم تحدثنا عن رد فعل أوليائك بخصوص غمار تجربتك؟ * لم يتوقع أهلي أن أحقق هذا النجاح، غير أنّ ثقتهم بي صارت كبيرة، بعدما نجحت تجربتي في المجال التلفزيوني بفضل المذيعة غنية صديق.. - راض أنت عما أنجزته إلى حد الساعة؟ * راض الحمد لله.. والمزيد إلى الأمام. - عن الهوايات، ماذا تضيف؟ * أحب كتابة المقالات، الخواطر وخاصة مطالعة الجرائد.. أتفحص ما يكتبه الصحفيون في المجال السياسي جيدا، ثم أرد عبر تعاليق أنشرها في الفيسبوك. - إضافة إلى التحضير لامتحانات شهادة التعليم المتوسط، ما الذي يشغل تفكيرك؟ * ما يشغلني هو واقع الطفولة الّذي لم يرق إعلاميا ليكون في المستوى المطلوب، فهو ما يزال محصورا في الجانب الترفيهي، في حين يفترض أن ترقى الحصص الموجهة إليه بما يكفل التعامل معه على أنّه سفير المستقبل في الحاضر، ليكون مؤهلا لتحمل مسؤولياته في الوقت المناسب، فمشكلتنا أنّنا لا نعطي للجانب التكويني القدر الكافي من الاهتمام، ونتيجة ذلك هي أنّنا لا نفكر في التكوين إلاّ في سن متأخرة.. وهكذا يضيع وقت هذه الشريحة في اللعب إلى غاية سن ال .18 - بقي أن تخبرني عن عيوب شخصيتك؟ * (يفكر برهة، ثم يقول)؛ .. طبعا هناك ثمة عيوب، منها القلق الذي ينتابني خلال الاجتماعات، عندما يتعذر عليّ توصيل الرسالة إلى أقراني الأطفال، نظرا لنقص وعيهم. - طالما أنّ عقلك أكبر من عقل أقرانك، هل يعني هذا أنّ فترة اللعب في حياتك كانت قصيرة؟ * في الواقع لعبت كثيرا، إلا أنني أشعر بأنّني كبرت بسرعة، ودخلت عالم المراهقة مبكرا، وربّما أنّني تجاوزت المراهقة! - ذكرى ما زالت عالقة في ذهنك؟ * ما زلت أتذكر شقاوتي حينما كنت في سن الرابعة، والتي كانت تحملني على جر ابنة الجيران، صاحبة الخمس سنوات، من شعرها لتسليمها إلى كلبتي.. - سؤالي الأخير، ما الّذي يدور برأسك في هذه اللحظة أيها الطفل الشقي؟! * تدور في رأسي فكرة مفادها أنّنا سنقف كلنا في يوم من الأيام أمام التاريخ.. وفي هذا اليوم، سيكون التاريخ إما شاهدا لنا أوعلينا.. وهذا الأمر يتوقف على درجة تقديرنا لأهمية الاستثمار في مجال الطفولة لنصنع التاريخ، فلا نظل تابعين له.