سعيا منها للحفاظ على التراث الغنائي بمختلف أنواعه، قامت وزارة الثقافة بإنجاز عمل فني يتمثّل في إصدار علبة أغان للمطربة القديرة شريفة، تضمّ ثمانية أقراص وكتيب يرصد ترجمة لحياتها والأغاني التي أدّتها طوال مشوارها الفني، وجعلت منها إحدى أعمدة الأغنية القبائلية. تعدّ المطربة شريفة واحدة من أبرز الأصوات النسوية التي برزت أثناء الاحتلال الفرنسي، وذاع صيتها بعد الاستقلال، عاشت حياة صعبة وقاسية بسبب الوسط الاجتماعي الذي كانت فيه، إلاّ أنّها استطاعت أن تكون من بين الفنانات اللواتي حافظن على الموروث المحلي الموسيقي والغنائي وتميّزت به على قريناتها. اسمها الحقيقي بوشملال وردية من مواليد آث حلة بجعافرة التابعة لولاية برج بوعريريج، خطت نّا شريفة أولى خطواتها في الحياة بقرية إلماين المجاورة لمسقط رأسها، عاشت طفولة صعبة وقاسية، إذ بعد زواج أمّها ثانية تكفّل بها خالها الذي لم يعوّضها أبدا حنان وعطف الوالدين، رغم ذلك أظهرت نّا شريفة موهبة في تأدية أغاني التراث النسوي المحلي بطريقة متميزة وهي لم تبلغ العاشرة بعد، وقد تأثّرت بالأصوات التي كانت تصدرها آلات الموسيقيين التقليديين في إيقاعات الزرنة والبندير، وما لبثت أن أثارت الانتباه بدورها بمشاركتها في الحفلات الدينية وأعراس الزواج والختان المتوارثة أبا عن جد، فكانت تصنع البهجة والفرحة. البداية الجريئة لشريفة لم تكن لتصمد أمام عناد خالها الذي لم يقبل توجّه ابنة أخته نحو عالم الفن والغناء، وبعد أن وجدت نفسها يتيمة ومحرومة من الدراسة تعاني من ضغط التقاليد البالية، قرّرت الذهاب إلى الجزائر العاصمة سنة 1943، وهناك تمّ اكتشافها من طرف الفنانة المشهورة وقتئذ لاّ يمينة، واعترفت بموهبة شريفة وشجّعتها على إبراز مخزونها الفني وقدراتها الصوتية، فوقفت إلى جانبها في بداية مشوارها، وأسّست مع هذه الشخصية الفنية المعتبرة الفرقة الصوتية لأوّل مرة بإذاعة الجزائر. استعارت اسم شريفة عندما انضمت إلى المجموعة الصوتية للإذاعة إلى جانب سيدات أخريات منهن صديقتها لاّ يمينة ولاّ زينة ولاّ جيدة، ثم اشتهرت بهذا الاسم وهي تؤدي أول لازمة في أغنية «أبقى على خير أ يا أقبو»، معبّرة في ذلك عن حريتها وانتقالها إلى حياة جديدة بعيدا عن قيود الطابوهات السائدة، ثم سرعان ما كسبت جمهورا يحب الاستماع لأغانيها إبان الاحتلال الفرنسي، ثمّ استقرت نّا شريفة بالمدنية رفقة لاّ يمينة لمدة أربع سنوات، ثمّ مع صديقتها حنيفة لمدة عشر سنوات أخرى، قبل أن تشدّ الرحال إلى فرنسا وتوفيت هناك ودفنت بمقبرة العالية، فوجدت شريفة نفسها وحيدة تحاول أن تفرض نفسها في وسط موسيقي محفوف بالعراقيل وهي تعرّف بالموروث الفني التقليدي الذي تركه أجدادها، واستطاعت بشكل تدريجي أن تحقّق نجاحا وتسجّل اسمها في تاريخ الموسيقى الجزائرية. هذا النجاح لم يكن سهلا بالنسبة للفنانة حيث تخلّله مرحلة قاسية من حياتها إثر طلاقها وتحمّلها مسؤولية كفالة طفلين، ما جعلها تواجه ظروفا معيشية صعبة لمدة سبع سنوات مع نهاية الستينيات من القرن الماضي، ولكنها لم تيأس ورفعت التحدي من جديد وعادت إلى الساحة الفنية بقوة في بداية التسعينيات محمّلة بتنوّع وثراء الآباء والأجداد، فغنّت الحياة ماضيها ومستقبلها. تمّ تكريمها بمسقط رأسها، جعافرة، في عودة تاريخية رمزية جعلتها تقول «هذه القرية التي حكمت عليّ هي نفسها التي حرّرت بناتي، لقد تمّ رفع الطابوهات أخيرا»، وكانت لها مشاركات مشرفة في قاعة أولمبيا سنة 1993، وفي أوبرا لاباستي سنة 1994، وقاعة زينيت بباريس سنة 2006.