رحل المخرج الطيب دهيمي بالجمهور العاصمي سهرة الأربعاء المنصرم إلى زمن حكم البايات والدولة العثمانية، عبر مسرحيته “القفطان” المشاركة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف في دورته السابعة، وسجل العرض في بدايته انطباعا حسنا في نفوس الحاضرين، غير أن اللباس الذي بدا في الوهلة الأولى منسجما مع الموسيقى والديكور قد أفسده ارتداء سروال الجينز والكعب العالي للممثلة موني بوعلام التي أدت دور عويشة ابنة الباي حاكم قسنطينة. وحسب المتتبعين للمشهد المسرحي وحتى محبي التفرج على الفن الرابع، أبدوا امتعاضهم من المشهد الذي انتقص من القيمة الجمالية للسينوغرافيا المقدمة، فكل الأزياء التي لبسها الممثلون كانت ملائمة، باستثناء لباس ابنة الباي الذي أعاد الجمهور إلى العصر الحالي، وهو لم يلبث أن سافر إلى ذلك الزمن مجرد دقائق فقط. وسلط العرض الضوء على تلك الحقبة المليئة بالأحداث التاريخية المهمة العالقة في الذاكرة الجماعية للمنطقة، وعاد إلى عهد البايات مع استحضار الواقع الجزائري في مشاهد مسرحية تمت بلورتها في قالب جمالي ذكي، لكنه وقع في الكثير من الإطناب واللف والدوران دون أن يحيل إلى المعنى أو الوصول إلى بيت القصيد والدخول في العقدة، الأمر الذي أدى بالكثير من الحاضرين إلى الخروج من القاعة مع مرور أزيد من ساعة للعرض. والنص المسرحي من تأليف الكاتب علاوة بوجادي الذي عاد من خلال نصه الدرامي التاريخي الغني إلى الأجواء القسنطينية لفترة حكم البايات وتواجد الجيش الإنكشاري بالمدينة، وذلك من خلال حادثة قتل الباي بأمر من داي الجزائر والعديد من المؤامرات الداخلية في قصر الباي الجديد والخطط الخفية للجيش والحاشية، ويحسب للنص أنه استعان بالتراث الشعبي المحلي للمنطقة من حيث اختيار الألفاظ وحتى الأمثال الشعبية كأدوات للحوار بين شخوص من مختلف الطبقات الاجتماعية والثقافية. وتوجد شخصية الأحدب أو “بوحدبة”، وهي شخصية طريفة في بلاط قسنطينة وبالرغم من أنها شخصية محورية، في سياق كوميديا “القفطان” فهو شخصية متخيلة عكس باقي الشخوص من قائد النوبة الخطير إلى قائد السبسي، وبوحدبة لا يشغل وظيفة رسمية في ديوان الباي يستحق من أجلها مرتبة لكنه في سياق هذه الجولة الهزلية في التاريخ بوقائعه وشخوصه سيكون دليلا عبر الزمن، ويصبح بوحدبة مرسول عشق بين عويشة بنت الباي وبين حبيبها مصطفى المجند ضمن الجيش الانكشاري والممنوع من الزواج بحكم قانون الجيش الصارم. يقوم بوحدبة بالتنكر على أنه مستشار ويقنع الباي بعدم تزويج ابنته الوحيدة من ابن قائد النوبة، ووظف كل دهائه ليثبت أن قائد النوبة شخص لا يوثق به، وبالفعل تم ذلك، وتوهم بوحدبة أن مرسولا سريا جاء من الجزائر قد يكون حاملا أمرا من الداي لتغيير الباي وتعيين باي جديد وإلباسه قفطان البايلك كما كانت تجري عليه العادة. يتصل المرسول بقائد النوبة الذي سيرتب عملية إقصاء الباي السابق، وغالبا ما يتم بتصفيته خنقا، ثم إعلان الباي الجديد بحضور باقي القياد وشيوخ اليهود والعرب، لكن سرعان ما يكتشف الباي اللعبة وخباياها ويعتبر نفسه جزءا منها لذا فانه لن يقع في الفخ وفي الأخير يوافق على تزويج ابنته من الجندي. واستعرض المخرج طيب دهيمي في عمله مراحل تاريخية وثقافية تحتفي بقسنطينة، وأظهر تحكما كبيرا في الحبكة الدرامية وفي تقنيات الإخراج الذي أبدع فيه، مستغلا كل التفاصيل المهمة للدلالة على تلك الفترة والتي كان لديكور سينوغرافيا الفنان حليم رحموني دور كبير في إبرازها بفضل تشكيلة مميزة من الألوان والزخارف والنقوش، أما بدل الممثلين وملابسهم فكانت وحدها كفيلة بنقل جو البايات، لولا عثرة سروال الجينز.